وعطف عليه (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ). والظهيرة : وقت الظهر وهو انتصاف النهار.
وقوله : (ثَلاثُ عَوْراتٍ) قرأه الجمهور مرفوعا على أنه خبر مبتدإ محذوف أي هي ثلاث عورات ، أي أوقات ثلاث عورات. وحذف المسند إليه هنا مما اتبع فيه الاستعمال في كل إخبار عن شيء تقدم الحديث عنه.
و (لَكُمْ) متعلق ب (عَوْراتٍ). وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم بالنصب على البدل من (ثَلاثَ مَرَّاتٍ).
والعورة في الأصل : الخلل والنقص. وفيه قيل لمن فقدت عينه أعور وعورت عينه ، ومنه عورة الحي وهي الجهة غير الحصينة منه بحيث يمكن الدخول منها كالثغر ، قال لبيد :
وأجنّ عورات الثغور ظلامها
وقال تعالى : (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) [الأحزاب : ١٣] ثم أطلقت على ما يكره انكشافه كما هنا وكما سمي ما لا يحب الإنسان كشفه من جسده عورة. وفي قوله : (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) نص على علة إيجاب الاستئذان فيها.
وقوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَ) تصريح بمفهوم الظروف في قوله : (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ) وما عطف عليه ، أي بعد تلك الأوقات المحددة. فصلاة الفجر حد معلوم ، وحالة وضع الثياب من الظهيرة تحديد بالعرف ، وما بعد صلاة العشاء من الحصة التي تسع في العرف تصرف الناس في التهيؤ إلى النوم.
ولك أن تجعل (بعد) بمعنى (دون) ، أي في غير تلك الأوقات الثلاثة كقوله تعالى: (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) [الجاثية : ٢٣] ، وضمير (بَعْدَهُنَ) عائد إلى ثلاث عورات ، أي بعد تلك الأوقات.
ونفي الجناح عن المخاطبين في قوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ) بعد أن كان الكلام على استئذان المماليك والذين لم يبلغوا الحلم إيماء إلى لحن خطاب حاصل من قوله : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) فإن الأمر باستئذان هؤلاء عليهم يقتضي أمر أهل البيت بالاستئذان على الذين ملكت أيمانهم إذا دعاهم داع إلى الدخول عليهم في تلك الأوقات كما يرشد السامع إليه قوله : (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ). وإنما لم يصرح بأمر المخاطبين بأن يستأذنوا على الذين ملكت أيمانهم لندور دخول السادة