(اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) ، وذلك من الكبر.
وقوله : (اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) وصف كاشف ل (الْقَواعِدُ) وليس قيدا.
واقترن الخبر بالفاء في قوله (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ) لأن الكلام بمعنى التسبب والشرطية ، لأن هذا المبتدأ يشعر بترقب ما يرد بعده فشابه الشرط كما تقدم في قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : ٣٨]. ولا حاجة إلى ادعاء أن (ال) فيه موصولة إذ لا يظهر معنى الموصول لحرف التعريف وإن كثر ذلك في كلام النحويين. و (أَنْ يَضَعْنَ) متعلق ب (جُناحٌ) بتقدير (في).
والمراد بالثياب بعضها وهو المأمور بإدنائه على المرأة بقرينة مقام التخصيص.
والوضع : إناطة شيء على شيء ، وأصله أن يعدى بحرف (على) وقد يعدى بحرف (عن) إذا أريد أنه أزيل عن مكان ووضع على غيره وهو المراد هنا كفعل (ترغبون) في قوله تعالى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) في سورة النساء [١٢٧] ، أي أن يزلن عنهن ثيابهن فيضعنها على الأرض أو على المشجب. وعلة هذه الرخصة هي أن الغالب أن تنتفي أو تقل رغبة الرجال في أمثال هذه القواعد لكبر السن. فلما كان في الأمر بضرب الخمر على الجيوب أو إدناء الجلابيب كلفة على النساء المأمورات اقتضاها سد الذريعة ، فلما انتفت الذريعة رفع ذلك الحكم رحمة من الله ، فإن الشريعة ما جعلت في حكم مشقة لضرورة إلا رفعت تلك المشقة بزوال الضرورة وهذا معنى الرخصة.
ولذلك عقب هذا الترخيص بقوله : (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَ).
والاستعفاف : التعفف ، فالسين والتاء فيه للمبالغة مثل استجاب ، أي تعففهن عن وضع الثياب عنهن أفضل لهن ولذلك قيد هذا الإذن بالحال وهو (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) أي وضعا لا يقارنه تبرج بزينة.
والتبرج : التكشف. والباء في (بِزِينَةٍ) للملابسة فيؤول إلى أن لا يكون وضع الثياب إظهارا لزينة كانت مستورة. والمراد : إظهار ما عادة المؤمنات ستره. قال تعالى : (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) [الأحزاب : ٣٣] ، فإن المرأة إذا تجلت بزينة من شأنها إخفاؤها إلا عن الزوج فكأنها تعرض باستجلاب استحسان الرجال إياها وإثارة رغبتهم فيها ، وهي وإن كانت من القواعد فإن تعريضها بذلك يخالف الآداب ويزيل وقار سنها ، وقد يرغب فيها بعض أهل الشهوات لما في التبرج بالزينة من الستر على عيوبها أو الإشغال عن