وكانت تحية الملوك «عم صباحا» فجعل الإسلام التحية كلمة «السلام عليكم» ، وهي جائية من الحنيفية (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) [هود : ٦٩] وسماها تحية الإسلام ، وهي من جوامع الكلم لأن المقصود من التحية تأنيس الداخل بتأمينه إن كان لا يعرفه وباللطف له إن كان معروفا.
ولفظ «السلام» يجمع المعنيين لأنه مشتق من السلامة فهو دعاء بالسلامة وتأمين بالسلام لأنه إذا دعا له بالسلامة فهو مسالم له فكان الخبر كناية عن التأمين ، وإذا تحقق الأمران حصل خير كثير لأن السلامة لا تجامع شيئا من الشر في ذات السالم ، والأمان لا يجامع شيئا من الشر يأتي من قبل المعتدي فكانت دعاء ترجى إجابته وعهدا بالأمن يجب الوفاء به. وفي كلمة (عَلَيْكُمْ) معنى التمكن ، أي السلامة مستقرة عليكم.
ولكون كلمة (السلام) جامعة لهذا المعنى امتن الله على المسلمين بها بأن جعلها من عند الله إذ هو الذي علّمها رسوله بالوحي.
وانتصب (تَحِيَّةً) على الحال من التسليم الذي يتضمنه (فَسَلِّمُوا) نظير عود الضمير على المصدر في قوله : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨].
والمباركة : المجعولة فيها البركة. والبركة : وفرة الخير. وإنما كانت هذه التحية مباركة لما فيها من نية المسالمة وحسن اللقاء والمخالطة وذلك يوفر خير الأخوة الإسلامية.
والطيّبة : ذات الطيّب ، وهو طيب مجازي بمعنى النزاهة والقبول في نفوس الناس ووجه طيب التحية أنها دعاء بالسلامة وإيذان بالمسالمة والمصافاة. ووزن (طَيِّبَةً) فيعلة مبالغة في الوصف مثل : الفيصل. وتقدم في قوله تعالى : (قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) في آل عمران [٣٨] وفي قوله : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) في سورة يونس [٢٢].
والمعنى أن كلمة «السلام عليكم» تحية خير من تحية أهل الجاهلية. وهذا كقوله تعالى : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) [يونس : ١٠] أي تحيتهم هذا اللفظ.
وجملة (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) تكرير للجملتين الواقعتين قبلها في آية الاستئذان لأن في كل ما وقع قبل هذه الجملة بيانا لآيات القرآن اتضحت به الأحكام التي تضمنتها وهو بيان يرجى معه أن يحصل لكم الفهم والعلم بما فيه كمال شأنكم.