الخامس والعشرون : أن جهة الذهاب به ليست معينة بأنها السفل (أي ما دل عليه لفظ غورا).
السادس والعشرون : أن الإيعاد هنا بما لم يبتلوا به قط بخلافه بما هنالك.
السابع والعشرون : أن الموعد به هنا إن وقع فهم هالكون البتة.
الثامن والعشرون : أنه لم يبق هنا لهم متشبث ولو ضعيفا في تأميل امتناع الموعد به وهناك حيث أسند الإصباح غورا إلى الماء ، ومعلوم أن الماء لا يصبح غورا بنفسه كما هو تحقيق مذهب الحكيم ، أيضا احتمل أن يتوهم الشرطية مع صدقها ممتنعة المقدّم فيأمنوا وقوعه.
التاسع والعشرون : أن الموعد به هنا يحتمل في بادئ النظر وقوعه حالا بخلافه هناك فإن المستقبل متعيّن لوقوعه لمكان (إن). وظاهر أن التهديد بمحتمل الوقوع في الحال أهول ، ومتعين الوقوع في الاستقبال أهون.
الثلاثون : أن ما هنا لا يحتمل غير الإيعاد بخلاف ما هناك فإنه يحتمل ولو علم بعد أن يكون المراد به الامتنان بأنه : إن أصبح ماؤكم غورا فلا يأتيكم بماء معين سوى الله تعالى.
وأنا أقول : عني هؤلاء النحارير ببيان التفاوت بين الآيتين ولم يتعرّض أحدهم للكشف عن وجه توفير الخصائص في هذه الآية دون الآية الأخرى مما يوازنها ، وليس ذلك لخلو الآية عن نكت الإعجاز ولا عجز الناظرين عن استخراج أمثالها ، ولكن ما يبيّن من الخصائص البلاغيّة في القرآن ليس يريد من يبينه أن ما لاح له ووفق إليه هو قصارى ما أودعه الله في نظم القرآن من الخصائص والمعاني ولكنه مبلغ ما صادف لوحه للناظر المتدبر ، والعلماء متفاوتون في الكشف عنه على قدر القرائح والفهوم فقد يفاض على أحد من إدراك الخصائص البلاغيّة في بعض الآيات ولا يفاض عليه مثله أو على مثله في غيرها. وإنما يقصد أهل المعاني بإفاضة القول في بعض الآيات أن تكون نموذجا لاستخراج أمثال تلك الخصائص في آيات أخرى كما فعل السكاكي في بيان خصائص قوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) [هود : ٤٤] الآية من مبحث الفصاحة والبلاغة من «المفتاح» ، وأنه قال في منتهى كلامه «ولا تظنّنّ الآية مقصورة على ما ذكرت فلعل ما تركت أكثر مما ذكرت لأن المقصود لم يكن إلّا الإرشاد لكيفيّة اجتناء ثمرات علمي