وهي شجرة الزيتون ، وجملة (تَخْرُجُ) صفة ل (شَجَرَةً) وتخصيصها بالذكر مع طي كون الناس منها يأكلون تنويه بشأنها ، وإيماء إلى كثرة منافعها لأن من ثمرتها طعاما وإصلاحا ومداواة ، ومن أعودها وقود وغيره ، وفي الحديث «كلوا الزيت وادّهنوا به فإنّه من شجرة مباركة».
وطور سيناء : جبل في صحراء سيناء الواقعة بين عقبة أيلة وبين مصر ، وهي من بلاد فلسطين في القديم وفيه ناجى موسى ربه تعالى ، وتقدم الكلام عليه في سورة الأعراف [١٤٣] عند قوله : (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) ، وغلب عليه اسم الطور بدون إضافة ، وطور سيناء أو طور سينين. ومعنى الطور الجبل. وسيناء قيل اسم شجر يكثر هنالك. وقيل اسم حجارة. وقيل هو اسم لذلك المكان ، قيل هو اسم نبطي وقيل هو اسم حبشي ولا يصح. وإنما اغتر من قاله بمشابهة هذا الاسم لوصف الحسن في اللغة الحبشيّة وهو كلمة سناه ، ومثل هذا التشابه قد أثار أغلاطا.
وسكنت ياء (سَيْناءَ) سكونا ميّتا وبه قرأ الجمهور. ويجوز فيها الفتح وسكون الياء سكونا حيا ، وبه قرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي وخلف ، وهو في القراءتين ممدود ، وهو فيهما ممنوع من الصرف فقيل للعلميّة والعجمة على قراءة الكسر لأن وزن فعلاء إذا كان عينه أصلا لا تكون ألفه للتأنيث بل للإلحاق وألف الإلحاق لا تمنع الصرف ، وعلى قراءة الفتح فمنعه لأجل ألف التأنيث لأن وزن فعلاء من أوزان ألف التأنيث.
وقوله : (تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) يقتضي أن لها مزيد اختصاص بطور سيناء. وقد غمض وجه ذاك. والذي أراه أن الخروج مستعمل في معنى النشأة والتخلق كقوله تعالى : (فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) [طه : ٥٣] وقوله : (يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) [الزمر : ٢١] ، وذلك أن حقيقة الخروج هو البروز من المكان ولما كان كل مخلوق يبرز بعد العدم وكان المكان لازما لكل حادث شبه ظهور الشيء بعد أن كان معدوما بخروج الشيء من المكان الذي كان محجوبا فيه. وهي استعارة شائعة في القرآن.
فيظهر أن المعنى أن الله خلق أول شجر الزيتون في طور سيناء ، وذلك أن الأجناس والأنواع الموجودة على الكرة الأرضية لا بد لها من مواطن كان فيها ابتداء وجودها قبل وجودها في غيرها لأن بعض الأمكنة تكون أسعد لنشأة بعض الموجودات من بعض آخر لمناسبة بين طبيعة المكان وطبيعة الشيء الموجود فيه من حرارة أو برودة أو اعتدال ،