آخر حكي في قوله تعالى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) [القصص : ٣٨] فإن فرعون كان معدودا في درجة الآلهة لأنه وإن كان بشرا في الصورة لكنه اكتسب الإلهية بأنه ابن الآلهة.
والاستفهام في (أَنُؤْمِنُ) إنكاري ، أي ما كان لنا أن نؤمن بهما وهما مثلنا في البشرية وليسا بأهل لأن يكونا ابنين للآلهة لأنهما جاءا بتكذيب إلهية الآلهة ، فكان ملأ فرعون لضلالهم يتطلبون لصحة الرسالة عن الله أن يكون الرسول مباينا للمرسل إليهم ، فلذلك كانوا يتخيلون آلهتهم أجناسا غريبة مثل جسد آدمي ورأس بقرة أو رأس طائر أو رأس ابن آوى أو جسد أسد ورأس آدمي ، ولا يقيمون وزنا لتباين مراتب النفوس والعقول وهي أجدر بظهور التفاوت لأنها قرارة الإنسانيّة. وهذه الشبهة هي سبب ضلال أكثر الأمم الذين أنكروا رسلهم.
واللام في قوله : (لِبَشَرَيْنِ) لتعدية فعل (نُؤْمِنُ). يقال للذي يصدّق المخبر فيما أخبر به : آمن له ، فيعدى فعل (آمن) باللام على اعتبار أنه صدّق بالخبر لأجل المخبر ، أي لأجل ثقته في نفسه. فأصل هذه اللام لام العلة والأجل. ومنه قوله تعالى : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) [العنكبوت : ٢٦] وقوله : (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) [الدخان : ٢١]. وأما تعدية فعل الإيمان بالباء فإنها إذا علق به ما يدل على الخبر تقول : آمنت بأن الله واحد. وبهذا ظهر الفرق بين قولك : آمنت بمحمد وقولك : آمنت لمحمد. فمعنى الأول: أنك صدقت شيئا. ولذلك لا يقال : آمنت لله وإنما يقال : آمنت بالله. وتقول : آمنت بمحمد وآمنت لمحمد. ومعنى الأول يتعلق بذاته وهو الرسالة ومعنى الثاني أنك صدقته فيما جاء به.
و (مِثْلِنا) وصف (لِبَشَرَيْنِ) وهو مما يصح التزام إفراده وتذكيره دون نظر إلى مخالفة صيغة موصوفه كما هنا. ويصح مطابقته لموصوفه كما في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) [الأعراف : ١٩٤].
وهذا طعن في رسالتهما من جانب حالهما الذاتي ثم أعقبوه بطعن من جهة منشئهما وقبيلهما فقالوا : (وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) ، أي وهم من فريق هم عباد لنا وأحط منا فكيف يسوداننا.
وقوله : (عابِدُونَ) جمع عابد ، أي مطيع خاضع. وقد كانت بنو إسرائيل خولا للقبط وخدما لهم قال تعالى : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [الشعراء:٢٢].