فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨))
الآيات : المعجزات ، وإضافتها إلى ضمير الجلالة للتنويه بها وتعظيمها. والسلطان المبين : الحجة الواضحة التي لقنها الله موسى فانتهضت على فرعون وملئه. والباء للملابسة ، أي بعثناه ملابسا للمعجزات والحجة.
وملأ فرعون : أهل مجلسه وعلماء دينه وهم السحرة. وإنما جعل الإرسال إليهم دون بقية أمة القبط لأن دعوة موسى وأخيه إنما كانت خطابا لفرعون وأهل دولته الذين بيدهم تصريف أمور الأمة لتحرير بني إسرائيل من استعبادهم إياهم قال تعالى : (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ) [طه : ٤٧]. ولم يرسلا بشريعة إلى القبط. وأما الدعوة إلى التوحيد فمقدمة لإثبات الرسالة لهم.
وعطف (فَاسْتَكْبَرُوا) بفاء التعقيب يفيد أنهم لم يتأملوا الدعوة والآيات والحجة ولكنهم أفرطوا في الكبرياء ، فالسين والتاء للتوكيد ، أي تكبروا كبرياء شديدة بحيث لم يعيروا آيات موسى وحجته أذنا صاغية.
وجملة (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) معترضة بين فعل (فَاسْتَكْبَرُوا) وما تفرع عليه من قوله (فَقالُوا) في موضع الحال من فرعون وملئه ، أي فاستكبروا بأن أعرضوا عن استجابة دعوة موسى وهارون وشأنهم الكبرياء والعلو ، أي كان الكبر خلقهم وسجيتهم. وقد بينا عند قوله تعالى : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) في سورة البقرة [١٦٤] أن إجراء وصف على لفظ (قوم) أو الإخبار بلفظ (قوم) متبوع باسم فاعل إنما يقصد منه تمكن ذلك الوصف من الموصوف بلفظ (قوم) أو تمكنه من أولئك القوم. فالمعنى هنا : أن استكبارهم على تلقي دعوة موسى وآياته وحجته إنما نشأ عن سجيتهم من الكبر وتطبعهم. فالعلو بمعنى التكبر والجبروت. وسيجيء بيانه عند قوله : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) في سورة القصص[٤].
وبين ذلك بالتفريع بقوله : (فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) فهو متفرّع على قوله (فَاسْتَكْبَرُوا) ، أي استكبر فرعون وملؤه عن اتباع موسى وهارون ، فأفصحوا عن سبب استكبارهم عن ذلك بقولهم (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ). وهذا ليس من قول فرعون ولكنه قول بعض الملإ لبعض ، ولما كانوا قد تراوضوا عليه نسب إليهم جميعا. وأما فرعون فكان مصغيا لرأيهم ومشورتهم وكان له قول