لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [المؤمنون : ٧٥].
و (إِذا) الأولى ظرفية فيها معنى الشرط فلذلك كان الأصل والغالب فيها أن تدل على ظرف مستقبل. و (إِذا) الثانية فجائية داخلة على جواب شرط (إذا).
والمترفون : المعطون ترفا وهو الرفاهية ، أي المنعّمون كقوله تعالى : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ) [المزمل : ١١] فالمترفون منهم هم سادتهم وأكابرهم والضمير المضاف إليه عائد إلى جميع المشركين أصحاب الغمرة.
وإنما جعل الأخذ واقعا على المترفين منهم لأنهم الذين أضلوا عامة قومهم ولو لا نفوذ كلمتهم على قومهم لا تبعت الدهماء الحق لأن العامة أقرب إلى الإنصاف إذا فهموا الحق بسبب سلامتهم من جل دواعي المكابرة من توقع تقلص سؤدد وزوال نعيم. وكذلك حقّ على قادة الأمم أن يؤاخذوا بالتبعات اللاحقة للعامة من جراء أخطائهم ومغامرتهم عن تضليل أو سوء تدبر ، وأن يسألوا عن الخيبة أن ألقوا بالذين اتبعوهم في مهواة الخطر كما قال تعالى : (وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) [الأحزاب : ٦٧ ، ٦٨] ، وقال (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) [النحل : ٢٥].
وتخصيص المترفين بالتعذيب مع أن شأن العذاب الإلهي إن كان دنيويا أن يعم الناس كلهم إيماء إلى أن المترفين هم سبب نزول العذاب بالعامة ، ولأن المترفين هم أشد إحساسا بالعذاب لأنهم لم يعتادوا مس الضراء والآلام. وقد علم مع ذلك أن العذاب يعم جميعهم من قوله : (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) فإن الضميرين في (إِذا هُمْ) و (يَجْأَرُونَ) عائدان إلى ما عاد إليه ضمير (مُتْرَفِيهِمْ) بقرينة قوله : (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) إلى قوله (سامِراً تَهْجُرُونَ) فإن ذلك كان من عمل جميعهم.
ويجوز أن يكون المراد بالمترفين جميع المشركين فتكون الإضافة بيانية ويكون ذكر المترفين تهويلا في التهديد تذكيرا لهم بأن العذاب يزيل عنهم ترفهم ؛ فقد كان أهل مكة في ترف ودعة إذ كانوا سالمين من غارات الأقوام لأنهم أهل الحرم الآمن وكانوا تجبى إليهم ثمرات كل شيء وكانوا مكرّمين لدى جميع القبائل ، قال الأخطل :
فأما الناس ما حاشا قريشا |
|
فإنا نحن أفضلهم فعالا |
وكانت أرزاقهم تأتيهم من كل مكان قال تعالى : (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ