طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [المؤمنون : ٧٥] بسابق إصرارهم على الشرك والإعراض عن الالتجاء إلى الله وعدم الاتعاظ بأن ما حل بهم من العذاب هو جزاء شركهم.
والجملة المتقدمة خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وهو يعلم صدقه فلم يكن بحاجة إلى الاستظهار عليه. ولكنه لما كان متعلقا بالمشركين وكان بحيث يبلغ أسماعهم وهم لا يؤمنون بأنه كلام من لا شك في صدقه ، كان المقام محفوفا بما يقتضي الاستدلال عليهم بشواهد أحوالهم فيما مضى ؛ ولذلك وقع قبله (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) [المؤمنون : ٥٤] ، ووقع بعده (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [المؤمنون : ٨٤].
والتعريف في قوله (بِالْعَذابِ) للعهد ، أي بالعذاب المذكور آنفا في قوله : (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ) [المؤمنون : ٦٤] إلخ. ومصبّ الحال هو ما عطف على جملتها من قوله (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ) ، فلا تتوهمنّ أن إعادة ذكر العذاب هنا تدل على أنه عذاب آخر غير المذكور آنفا مستندا إلى أن إعادة ذكر الأول لا طائل تحتها. وهذه الآية في معنى قوله في سورة الدخان [١٣ ـ ١٥](أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) إلى قوله (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ). والمعنى فلم يكن حظهم حين أخذناهم بالعذاب إلا العويل والجؤار دون التوبة والاستغفار.
وقيل : هذا عذاب آخر سابق للعذاب المذكور آنفا فيتركب هذا على التفاسير المتقدمة أنه عذاب الجوع الأول أو عذاب الجوع الثاني بالنسبة لعذاب يوم بدر.
والاستكانة : مصدر بمعنى الخضوع مشتقة من السكون لأن الذي يخضع يقطع الحركة أمام من خضع له ، فهو افتعال من السكون للدلالة على تمكن السكون وقوته. وألفه ألف الافتعال مثل الاضطراب ، والتاء زائدة كزيادتها في استعاذة.
وقيل الألف للإشباع ، أي زيدت في الاشتقاق فلازمت الكلمة. وليس ذلك من الإشباع الذي يستعمله المستعملون شذوذا كقول طرفة :
ينباع من ذفري غضوب جسرة
أي ينبع. وأشار في «الكشاف» إلى الاستشهاد على الإشباع في نحوه إلى قول ابن هرمة :
وأنت من الغوائل حين ترمي |
|
ومن ذم الرجال بمنتزاح |
أراد : بمنتزح فأشبع الفتحة.