تمهيد
من أجلّ ما أقرّ به القاصي والداني ، أن الإسلام دين يحترم العلم ويدعو إليه ، بل يفرض على معتنقيه أن يتزوّدوا من العلوم النافعة التي تؤهلهم للكشف عن أسرار الكون والحياة ، والاستفادة من خيرات الأرض وما حوت ، وذلك بدراسة العلوم الكونية ، فضلا عن العلوم الشرعية التي تنور لهم سبل حياتهم الدنيوية والأخروية ، ولذلك كان لزاما على أبناء الأمة أن يعرضوا الإسلام بصورته المضيئة التي تؤكد على وجود مؤشرات قرآنية واضحة ، تنسجم مع حقائق العلم القطعية التي يكتشفها العلماء ، حتى يتبين للجميع أن ديننا يدعم مواكبة المستجدات ويؤكدها ، طبعا بشروط وضوابط سترد في ثنايا هذا الفصل.
كما ستتناول مباحث هذا الفصل الحديث عن تضافر أبحاث علماء الفلك ودراساتهم ، حول نشأة الكون ومولده ، وحول توسعه ونهايته ، وما أفرزته هذه الدراسات من المؤلفات سواء في القديم أو في الحديث ، ولسنا بصدد استعراض الأفكار التي كانت سائدة لدى الأقوام الغابرة ونظرتهم للكون والحياة ، وما شاع بينهم من أساطير حول الكون وما حوى ، وتشخيص ذلك من خلال مقاييس العلم وموازينه ، ولا بتفنيد ظاهرة التنجيم التي قد امتدّ سلطانها يومذاك على تلك الشعوب وخاصة الوثنية منها ، التي كانت تدين بالولاء والخضوع للكواكب والنجوم ، وتربط عقيدتها ومصيرها ارتباطا وثيقا بالأجرام السماوية ... كذلك لن نتعرض إلى المجهود القيّم الذي بذله علماء الفلك في العصور الوسطى دراسة أو نقدا وتعقيبا ، إنما سنحاول الخوض في علوم الفلك المعاصرة التي تطوّرت تطورا هائلا حتى فاقت معداتها ووسائلها والاهتمام بها كل ميادين الحياة ومرافق العلم.
ولنبدأ الحديث عن مولد الكون ومنشئه من خلال الآيات القرآنية الكثيرة ، التي تضافرت ألفاظها ومعانيها لترسم لنا الصورة الكونية الأولى ، ثم نصغي إلى أقوال