المبحث الثاني
تكوين السحب وأنواعها بين القرآن والعلم
قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ) (١).
وقال سبحانه : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٢).
تعرض هاتان الآيتان الكريمتان التسلسل الواضح في عملية تكوين السحاب وإثارته ، ثم تصاعده عن طريق الهواء المتحرك (الرِّياحِ) إلى السماء ، ثم نشره في جو المعمورة ، حسب تقدير العليم الخبير جل جلاله ومن ثم توزيعه على خلقه ليستبشروا بنعمته تعالى ورحمته ، كما أنها تشير إلى نوع من أنواع السحب ، ألا وهو السحب البساطية ، وبنظرة في تفاسير العلماء يزداد الأمر وضوحا وجلاء.
يقول الإمام الرازي : (بين دلائل الرياح على التفصيل الأول في إرسالها قدرة وحكمة ، أما القدرة فظاهرة ، فإن الهواء اللطيف الذي يشقه الودق يصير بحيث يقلع الشجر ، وهو ليس بذاته كذلك فهو بفعل فاعل مختار ، وأما الحكمة ففي نفس الهبوب فيما يفضي إليه من إثارة السحب ، ثم ذكر أنواع السحب فمنه ما يكون متصلا ومنه ما يكون منقطعا ، ثم المطر يخرج منه والماء في الهواء أعجب علامة للقدرة ، وما يفضي إليه من إنبات الزرع وإدرار الضرع حكمة بالغة ، ثم إنه لا يعم بل يختص به قوم دون قوم وهو علامة المشيئة) (٣).
وفي تفسير «بحر العلوم» : (قال الله عزوجل : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) يعني
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ٥٧.
(٢) سورة الروم ، الآية : ٤٨.
(٣) التفسير الكبير ، للرازي ، ٢٥ / ١١١.