المبحث الثاني
مولد الكون ونشأته بين القرآن والعلم
الآيات التي تتحدّث عن خلق الكون ، وما بث في تضاعيفه من مكونات ومخلوقات كثيرة جدا كما أن هناك عددا ليس بالقليل من هذه الآيات تسترعي انتباه الناس ، وتدعوهم إلى التفكير والتأمل في خلق السموات والأرض ، والدافع الحقيقي لهذا التأمل هو التعرف على عظم هذه المخلوقات وأسرار خلقها ، وعجائب تكوينها ، وبالتالي الوقوف على عظمة الخالق ، وروعة إبداعه في صنعه وخلقه يقول تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (١) وبقوله سبحانه وتعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢) ويقول تعالى : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (٣).
هذه الآيات وغيرها تأمرنا أن نستخدم مدركاتنا ، ووسائل الإدراك والنظر التي هي امتداد لمدركاتنا ، وما منحنا الله من مستجدات تقنية وعلمية لنتعرف على قضية الخلق ، ومراحل الخلق وكيف بدأ الخلق وما تنطوي عليه السموات والأرض من عجائب الخلق والتدبير ، والسبيل الأوحد إلى ذلك هو ما أشار إليه الحق (قُلِ انْظُرُوا) فبالنظر والتأمل والاستدلال يتوصل الإنسان للكشف عن حقائق الخلق.
وما أجمل هذا الحث القرآني على دراسة الأرض ومكوناتها لنتعرف من خلال ذلك على بداية الخلق وعلى النشأة الأولى للكون (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤) ، وهذا لا يتنافى أبدا مع
__________________
(١) سورة العنكبوت ، الآية : ١٩.
(٢) سورة العنكبوت ، الآية : ٢٠.
(٣) سورة يونس ، الآية : ١٠١.
(٤) سورة العنكبوت ، الآية : ٢٠.