المبحث الثاني
نقد مذهب الصرفة
يتسنّى لنا من خلال ما بسطناه من الحديث عن الصرفة وقائليها ، وما تلخص لنا من مجموع ما ذهبوا إليه أن نركز النقد على هذا القول الشاذ بما يلي :
أولا : الرد على النظام ومن حذى حذوه :
والذين قالوا : إن الله صرف العرب عن المعارضة ، ولو فكروا وحاولوا لاستطاعوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن.
١ ـ بداية نقول : يلزم من القول بالصرفة أن الإعجاز ليس ذاتيا في القرآن ، وإنما الإعجاز في المنع أي في غيره ، وهذا القول باطل لأن الله سبحانه وتعالى وصف القرآن بأوصاف تدل على أنه معجز بذاته وأول وأهم هذه الأوصاف أنه قد تحداهم أن يأتوا بمثله ، كما قال تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١) وأيضا قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢) وقوله جلّ ثناؤه : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣) ، فقد قرر سبحانه وتعالى في الآية الأولى أن الإنس والجن مهما تضافرت قواهم ، وتآزرت جهودهم ليعارضوه لم ولن يستطيعوا أن يأتوا ولو بسورة من مثله ، فلو كان الإعجاز بالصرفة كما يقولون لاقتضى سياق الخطاب أن يأتي هكذا «لو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لصرفهم الله عن ذلك» ولكن لم يرد مثل هذا أبدا ، بل إن الحق جعل التحدي في الإعجاز بالقرآن ذاته لا بالمنع والصرف ...
__________________
(١) سورة الإسراء ، الآية : ٨٨.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٣.
(٣) سورة هود ، الآية : ١٣.