المبحث الثالث
والبحر المسجور
قال تعالى : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) (١).
هذا قسم الله سبحانه وتعالى بالبحر ، وقد وصف هذا البحر بأنه مسجور ، والقسم كما هو معلوم يؤتى به للتوكيد ، وكلام الله لا يحتاج لتوكيد ، ومن أصدق من الله قيلا ، لكن لينبه الغافلين ويرشد الطائعين ، ويقيم الحجة على الكافرين.
وهذا التوكيد على أن البحر مسجور ، سيق في معرض الحديث عن دلائل قدرة الله وعظمته وتهديد الكافرين المعرضين عن دين الله وشرعه ، فهو حديث عن بحر مسجر في الدنيا ، غير الحديث المعهود عن قيام الساعة ونهاية الحياة ودمار الكون وتسجير البحار وذلك في قوله تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٢) فهذه الآية تتحدث عن نهاية الكون وتسجير البحار ، وإذا ، كما هو معروف ظرف لما يستقبل من الزمن ، أي في المستقبل إبان خراب الكون ستسجر البحار وتتحول كلها إلى كتل نارية.
وما يهمنا هنا ، هو قسم الله عزوجل بوجود بحر مسجور في الأرض التي تقلنا ، وهذا البحر بل والبحار بان تسجيرها في زمن العلم ، لكن قبل التعرض للحقائق العلمية في ذلك ، سنتعرف على معنى المسجور لغة من خلال تحليل العلماء لهذه الكلمة في تفاسيرهم وكتب اللغة.
يقول الإمام الطبري : (اختلف أهل التأويل في معنى البحر المسجور ، فقال بعضهم : الموقد ، وتأوّل ذلك والبحر الموقد المحمي ، ذكر من قال ذلك عن سعيد بن المسيب ، قال : قال عليّ رضي الله عنه لرجل من اليهود : أين جهنم؟ فقال : البحر ، فقال : ما أراه إلا صادقا ، والبحر المسجور وإذا البحار سجرت مخففة ... وعن مجاهد ،
__________________
(١) سورة الطور ، الآية : ٦.
(٢) سورة التكوير ، الآية : ٦.