وقدم ذكر الليل قيل : تنبيها على تقدمه مع كون الظلمة عدما ، وناسب ذكر الشمس بعد النهار لأنها آيته وسبب تنويره ، ولأنها أصل لنور القمر بناء على ما قالوا من أنه مستفاد من ضياء الشمس ، وأما ضياؤها فالمشهور أنه غير طارئ عليها من جرم آخر ، وقيل : هو من العرش ، لأنها من جملة مخلوقاته سبحانه وتعالى المسخرة على وفق إرادته تعالى مثلكم (وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ) الضمير قيل للأربعة المذكورة ، والمقصود تعليق الفعل بالشمس والقمر ، لكن نظم معهما الليل والنهار إشعارا بأنهما من عداد ما لا يعلم ولا يختار ضرورة أن الليل والنهار كذلك ، ولو ثنى الضمير لم يكن فيه إشعار بذلك) (١).
وفي «أنوار التنزيل» : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ) لأنهما مخلوقان مأموران مثلكم (وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ) الضمير للأربعة المذكورة والمقصود تعليق الفعل بهما إشعارا بأنهما من عداد ما لا يعلم ولا يختار ، (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) فإن السجود أخص العبادات وهو موضع السجود عندنا لاقتران الأمر به) (٢).
رأينا كيف أن المفسرين رحمهمالله تعالى ، حاولوا أن يعيدوا الضمير (خَلَقَهُنَ) للأربعة «الليل والنهار والشمس والقمر» ، والحق أن الضمير في (خَلَقَهُنَ) يرجع للشمس والقمر فقط ، لأن المشركين كانوا يعبدون من جملة ما يعبدون الشمس والقمر ، ولذلك وبخهم الحق في كثير من الآيات ونهاهم أن يعبدوهما ، ولم يرد قط أن المشركين عبدوا طبيعة الليل أو طبيعة النهار؟.
وعلى هذا فإن الجمع هنا (خَلَقَهُنَ) جاء آية معجزة كشف عنها علماء عصرنا ، عند ما تحقّقوا بالدليل العملي والمرئي أن في كوننا ملايين من الشموس ، والكثير من الأقمار.
الحقائق العلميّة :
أما عن تعدّد النجوم فقد وجد العلماء أن : (النجوم على أنواع مختلفة ، وهي برغم ظهورها للعين نقاطا لامعة في السماء ، إلا أنها شموس مثل شمسنا ، وتظهر هكذا
__________________
(١) روح المعاني ، للآلوسي ، ٢٤ / ١٢٥.
(٢) أنوار التنزيل ، للبيضاوي ، ٥ / ١١٦ ، وانظر : بحر العلوم ، للسمرقندي ، ٣ / ٢٢٤.