ثانيا ـ الوليد بن المغيرة :
وهو من أشد المشركين عداوة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومن أكثر الذين ناصبوا رسالة الإسلام العداء فقد أشعل حربا سافرة لاهبة منذ بزوغ فجر الدعوة الإسلامية ، لكنه يوم سمع القرآن الكريم افتتن ببلاغته ، وسحر بإعجازه وبيانه ، ولنسمع إعلانه الذي يدل على تأثره أمام قريش ، يروي ابن عباس رضي الله عنه (أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش وكان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم فقال لهم : يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فاجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، فقالوا : أنت فقل وأتم لنا به رأيا نقول به ، قال : لا بل أنتم قولوا لأسمع ، قالوا : نقول كاهن ، قال : ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكهان ولا بسجعهم ، قالوا : فنقول مجنون ، قال : ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ... قالوا : فنقول شاعر ، قال : ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه ، فما هو بالشعر ، قالوا : فنقول ساحر ، قال : ما هو بساحر لقد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثه ، ولا بعقده ، قالوا : فما ذا نقول؟ قال : والله إن لقوله لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أصله لعذق ، وإن فرعه لجناة ، فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول أن تقولوا : هو ساحر يفرق بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته فتفرقوا عنه بذلك) (١).
يعلق الإمام الزركشي رحمهالله على هذه القصة فيقول : (... ثمّ صار المعاندون له ممن كفر به وأنكره يقولون مرة : إنه شعر لما رأوه منظوما ، ومرة إنه سحر لما رأوه معجوزا عنه غير مقدور عليه وقد كانوا يجدون له وقعا في القلب ، وقرعا في النفس يريبهم ويحيرهم ، فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعا من الاعتراف ولذلك قالوا : إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وكانوا مرة لجهلهم وحيرتهم يقولون : (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٢) مع علمهم أن صاحبهم أمي وليس
__________________
(١) الدر المنثور ، عبد الرحمن بن جلال الدين السيوطي ، بيروت ، دار الفكر ، ١٩٩٣ ، ٥ / ٩٨ ، وانظر : السيرة الحلبية ، علي بن برهان الدين الحلبي ، بيروت ، دار المعرفة ، ١٤٠٠ ه ، ٣ / ٣٤٤ ، ولباب النقول في أسباب النزول ، عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي ، بيروت ، دار إحياء العلوم ، د. ت ، ١ / ٢٢٤.
(٢) سورة الفرقان ، الآية : ٥.