ما شاءَ رَكَّبَكَ) (١) لا من عرف تشريح الأعضاء من الإنسان ظاهرا وباطنا ، وعددها وأنواعها وحكمتها ومنافعها ، وقد أشار في القرآن في مواضع إليها ، وهي من علوم الأولين والآخرين ، وفي القرآن مجامع علم الأولين والآخرين وكذلك لا يعرف كمال معنى قوله تعالى : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (٢) ، من لم يعلم التسوية والنفخ والروح ووراءها علوم غامضة يغفل عن طلبها أكثر الخلق ، وربما لا يفهمونها أن سمعوها من العالم بها ، ولو ذهبت أفصل ما تدل عليه آيات القرآن من تفاصيل الأفعال لطال ، ولا تمكن الإشارة إلا إلى مجامعها ، وقد أشرنا إليه حيث ذكرنا أن من جملة معرفة الله تعالى معرفة أفعاله فتلك الجملة تشتمل على هذه التفاصيل ، وكذلك كل قسم أجملناه ، لو شعب لا نشعب إلى تفاصيل كثيرة ، فتفكّر في القرآن ، والتمس غرائبه ، لتصادف فيه مجامع علم الأولين والآخرين ، وجملة أوائله وإنما التفكّر فيه للتوصل من جملته إلى تفصيله ، وهو البحر الذي لا شاطئ له) (٣).
ويلاحظ أن هذا المنهج الذي سلكه ورسم أطره الإمام الغزالي ، إنما هو منهج دقيق وصحيح ، ذلك أن من يريد أن يفسر القرآن على أساس العلوم الكونية يجب أن يكون جامعا لأصول العلوم الشرعية واللغة العربية على اختلاف مناحيها ، بجانب إلمامه بالعلوم الطبيعية والكونية والتطبيقية ... فمن جمع بين هذه العلوم يستطيع أن يوضح إشراقات الهداية الربانية في القرآن الكريم ، وبذلك يكون قد أدخل أداة أخرى لعلوم الكونية إلى دائرة الأدوات العلمية ، والتي تتمثّل بالعلوم الشرعية أصولا وفروعا وعلوم اللغة العربية وفروعها ، وعلوم الآلة ، لفهم مقاصد النصوص القرآنية.
ثانيا ـ فخر الدين الرازي (٤) :
ثم جاء بعد الغزالي الإمام الرازي ، ليقيم موازنة ومقارنة بين ما انتشر في وسطه من
__________________
(١) سورة الانفطار ، الآيات ٦ ـ ٨.
(٢) سورة الحجر ، الآية : ٢٩.
(٣) انظر : جواهر القرآن ، للغزالي ، ص ٤٤.
(٤) ت ٦٠٦ ه ، محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي ، العلامة سلطان المتكلمين في زمانه فخر الدين أبو عبد الله القرشي البكري التيمي الطبرستاني الأصل ثم الرازي ، المفسّر المتكلم إمام وقته في العلوم العقلية وأحد الأئمة في علوم الشريعة ، صاحب المصنّفات المشهورة والفضائل الغزيرة المذكورة ، ولد في رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة وقيل سنة ثلاث ، ـ