علوم ومعارف وثقافة ، سواء كانت وافدة ومترجمة عن الأمم الأخرى أو من تأليف المسلمين ، وبيّن النصوص القرآنية ، والمحور الذي يدور حوله الإمام الرازي من وراء تفسيره للقرآن على أساس العلم إنما هو ترسيخ فكرة التوحيد ، وتقوية دعائم الكمال النفسي والإيمان بالله تعالى ، فكان تفسيره «مفاتيح الغيب» فيّاضا بالاستطرادات العلمية الكونية.
وها هو ذا الإمام الرازي يرد على من اعترض عليه بسبب إكثاره من القضايا الكونية والعلمية في تفسيره فيقول : (وربما جاء بعض الجهال والحمقى وقال : إنك أكثرت في تفسير كتاب الله من علم الهيئة والنجوم ، وذلك على خلاف المعتاد؟ فيقال لهذا المسكين : إنك لو تأملت في كتاب الله حق التأمل لعرفت فساد ما ذكرته ، وتقريره من وجوه : الأول : أن الله تعالى ملأ كتابه من الاستدلال على العلم والقدرة والحكمة بأحوال السموات والأرض ، وتعاقب الليل والنهار ، وكيفية أحوال الضياء والظلام ، وأحوال الشمس والقمر والنجوم ، وذكر هذه الأمور في أكثر السور وكررها وأعادها مرة بعد أخرى ، فلو لم يكن البحث عنها ، والتأمل في أحوالها جائزا لما ملأ الله كتابه منها ، والثاني : أنه تعالى قال : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) (١) فهو تعالى حثّ على التأمل في أنه كيف بناها ولا معنى لعلم الهيئة إلا التأمل في أنه كيف بناها وكيف خلق كل واحد منها ، والثالث : أنه تعالى قال : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٢) فبيّن أن عجائب الخلقة وبدائع الفطرة في أجرام السموات أكثر وأعظم وأكمل مما في أبدان الناس ، ثم أنه تعالى رغب في التأمل في أبدان الناس بقوله : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٣)
__________________
أتقن علوما كثيرة وبرز فيها وتقدّم وساد ، وقصده الطلبة من سائر البلاد ، من مؤلفاته : مفاتيح الغيب ، وكتاب المحصول ، والمنتخب ، ونهاية المعقول ، وكانت وفاته بهراة يوم عيد الفطر.
انظر : طبقات الشافعية ، للشيرازي ، ٢ / ٦٦ ، وشذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ٣ / ٢٢ ، والبداية والنهاية إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء ، بيروت ، مكتبة المعارف ، د. ت ، ١٣ / ٥٥ ، والعبر في خبر من غبر ، محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي ، الكويت ، مطبعة حكومة الكويت ، تحقيق صلاح الدين المنجد ، الطبعة الثانية ، ١٩٤٨ ، ٤ / ٢٨٥ ، بتصرف.
(١) سورة ق ، الآية : ٥.
(٢) سورة غافر ، الآية : ٥٧.
(٣) سورة الذاريات ، الآية : ٢١.