ثانيا ـ القاضي عياض ووجوه إعجاز القرآن (١) :
أورد القاضي عياض رحمهالله في كتابه «الشفا في التعريف بحقوق المصطفى» أوجه الإعجاز في أربعة ثم أتبع بها وجهين حكم عليهما بالضعف ، ثم ساق عدة أوجه ولم يعتد بها.
الوجه الأول : (حسن تأليفه ، والتئام كلمه ، وفصاحته ، ووجوه إيجازه ، وبلاغته الخارقة لعادة العرب وذلك أنهم كانوا أرباب هذا الشأن ، وفرسان الكلام ، فقد خصوا من البلاغة والحكم بما لم يخص غيرهم من الأمم ، وأوتوا من دراية اللسان ما لم يؤت إنسان ، ومن فصل الخطاب ، ما يقيد الألباب ، جعل الله ذلك لهم طبعا وخلقة وفيهم غريزة وقوة ... فما راعهم إلا رسول كريم بكتاب عزيز ، أحكمت آياته وفصلت كلماته ، وبهرت بلاغته العقول ، وظهرت فصاحته على كل مقول وتظافر إيجازه وإعجازه ...) (٢).
الوجه الثاني : (صورة نظمه العجيب ، والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها الذي جاء عليه ، ووقفت مقاطع آية ، وانتهت فواصل كلماته إليه ، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له ، ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه ، بل حارت فيه عقولهم ، وتدلهت دونه أحلامهم ، ولم يهتدوا إلى مثله في جنس كلامهم من نثر أو نظم ، أو سجع أو رجز أو شعر) (٣).
الوجه الثالث : (ما انطوى عليه من الأخبار بالمغيبات ، وما لم يكن ولم يقع ، فوجد كما ورد ، وعلى الوجه الذي أخبر به) (٤).
الوجه الرابع : (ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة ، والأمم البائدة ، والشرائع الدائرة ، مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع
__________________
(١) ت ٥٤٤ ه ، عياض بن موسى السبتي ، أحد مشايخ العلماء المالكية وصاحب المصنفات الكثيرة المفيدة ، منها الشفا ، وشرح مسلم ومشارق الأنوار ، وله شعر حسن ، وكان إماما في علوم كثيرة كالفقه واللغة ، انظر : سير أعلام النبلاء ، للذهبي ١٢ / ٢٢٥ بتصرف.
(٢) الشفا ، للقاضي عياض ، ١ / ٣٥٨.
(٣) المصدر نفسه ، ١ / ٣٦٩.
(٤) المصدر نفسه ، ١ / ٣٧٥.