المبحث الثالث
منازل القمر
قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) (١).
وقال تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (٢).
يشير قوله تعالى : (قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) إلى تنقلات القمر في منازله التي ينزلها في كل يوم من الشهر ، وفي الآية إشارة إعجازية رائعة وهي أن القمر خلال تنقله في منازله ، إنما هو في واقع الحال يدور حول الكرة الأرضية ، ومن من الناس قبل التقنية الحديثة كان يعلم أن القمر يدور حول الأرض ، كما أن في الآية تقرير واضح إلى أن هذه المنازل إنما جعلها الحق عزوجل لتقويم حساب الأيام والسنين.
يقول الحافظ ابن كثير : (وقدر القمر منازل ، فأول ما يبدو صغيرا ثم يتزايد نوره وجرمه حتى يستوسق ويكمل إبداره ، ثم يشرع في النقص حتى يرجع إلى حالته الأولى في تمام شهر ... وقوله سبحانه وتعالى : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) فبالشمس تعرف الأيام ، وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام) (٣).
ويصف القرطبي رحمهالله منازل القمر هذه فيقول :
(قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) ففي هذا جوابان ، أحدهما قدرناه ذا منازل ، والتقدير الآخر قدّرنا له منازل ... والمنازل «ثمانية وعشرون منزلا» ينزل القمر كل ليلة منها بمنزل ، وهي : الشرطان البطين ، الثريا ، الدبران ، الهقعة ، الذراع ، النشرة ، الطرف ، الجبهة ، الخراتان ، الصرفة ، العواء السماك الفغر ، الزبانيان ، الإكليل ، القلب ، الشولة ، النسائم ، البلدة ، سعد الذابح ، سعد بلع ، المفرغ المؤخر ، بطن الحوت.
__________________
(١) سورة يونس ، الآية : ٥.
(٢) سورة يس ، الآية : ٣٩.
(٣) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، ٣ / ١٨١.