سمعت كاليوم لفظا أحسن ولا أجمل منه ، فلما انصرف تبعته فدخلت معه بيته ، فقلت : يا محمد إن قومك جاءوني فقالوا لي كذا وكذا فأخبرته بما قالوا وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول ، وقد وقع في نفسي أنه حق فاعرض عليّ دينك فعرض عليّ الإسلام فأسلمت ...) (١).
ثالثا ـ لبيد بن ربيعة :
(يعتبر لبيد أحد أصحاب المعلقات السبعة ، الذين سارت بشعرهم الركبان ، ومن أشراف الشعراء المجيدين الفرسان ، يفد على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويسمع كلامه ، ويسلم ، ولكن ما ذا فعل بالشعر الذي جرى في كيانه مجرى الدم من عروقه ، وجبلت به نفسه ، وعرفت به حياته ، وتناقله الناس عنه يتفاخرون به ويتمايلون طربا لسماعه ، بل يصل بهم الأمر لدرجة الجنون لأجله ... لقد ذهل هذا الرجل الفصيح البليغ ، الذي فتن الناس بشعره ، لقد ذهل عن نفسه وشعره ، فلم يعد يتمكن من قول الشعر ، إذ أفحمته عظمة القرآن وبلاغته فلم يقل بعد إسلامه إلا بيتا واحدا ، وهو قوله :
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي |
|
حتى لبست من الإسلام سربالا) |
(٢) لقد تذوق لبيد حلاوة البيان ، وتشربت عروقه منه ، وفاض الشعر والأدب في كيانه منذ نعومة أظافره ، ولكنه يوم سمع القرآن تقوضت أركان البيان لديه ، وامتدت أروقة البلاغة القرآنية في داخله حتى ملئت أقطار نفسه ، وعرف الحق فوقف عنده ، وانصاع لمستلزماته وأوامره ، وأصبح يستحي أن ينبث ببنت شفة في حضرة كلام رب الأرباب ... ويكفي أن نعلم ما للبيد من ثقل عظيم في دنيا الشعر ، وساحات الأدب والبيان ، من أن الرسول صلىاللهعليهوسلم قال فيه مدحا وثناء وهو على المنبر : «أشعر كلمة قالتها العرب قول لبيد بن ربيعة ألا كل شيء ما خلا الله باطل» (٣) ، وليس بعد شهادة رسول الله صلىاللهعليهوسلم شهادة ، ولا يعرف الفضل إلا ذووه ومع تألق لبيد في بلاغته ، وتفرده في شعره ، أيقن أن كلامه يتساقط ، ويتناثر أوزاعا ، بل ولا يذكر أمام سلطان القرآن وهيمنته على النفوس والأرواح.
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، تحقيق ، شعيب الأرناءوط ومحمد نعيم العرقسوسي ، الطبعة التاسعة ، ١٤١٣ ه ، ١ / ٣٤٥.
(٢) المعجزة القرآنية ، محمد حسن هيتو ، ص : ٤٣.
(٣) أخرجه أحمد في مسنده ، ٢ / ٤٤٤ ، رقم : (٩٧٣٥).