تمهيد
مما لا شك فيه أن للقرآن الكريم جاذبية وهيمنة على النفوس والعقول ، كما أن
لأسلوبه ونظمه وبيانه سحرا يستولي على الأفكار والألباب ، وقد أدرك ذلك العرب إبان نزوله ، فالمؤمن منهم كانت النشوة القرآنية تنسكب في فؤاده ، فيشعر بسعادة لا تفوقها سعادة ، حتى الكافر والجاحد منهم ، كان يدرك ويستيقن أن هناك فرقا كبيرا بين كلام الخالق وكلام المخلوق ، وأن ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم إنما هو كلام الله تعالى ... ولا غرو ولا عجب من ذلك ، فالعرب قد بلغوا من الفصاحة والبيان درجة سامقة باسقة ، اتزنت فيها أساليبهم الكلامية إفرادا وتركيبا ، وزودهم الله بأدوات لغوية تمكنهم من قول الشعر البليغ ورصف الخطب الرنانة ، والحذق في البلاغة والبيان.
فسلامة الذوق العربي ، وجودة القريحة ، وبراعة الاستهلال والأداء ، وإدراك كنه الألفاظ وأبعادها دفعت العرب بشعور وإدراك عميقين ، أو بلا شعور أحيانا إلى تقديس القرآن والخضوع لحسن بيانه وعذب كلامه ... وظلت هذه المعاني ماثلة في الأذهان ، قائمة في الكيان ، في عصر النبوة والخلفاء الراشدين وفسحة من عصر الدولة الأموية ، غير أن اتساع رقعة الإسلام ودخول الأعاجم في هذا الدين وامتزاجهم بالمجتمع العربي ، أثّر في لغة العرب ، وبدأت السليقة العربية تفقد رونقها وجمالها ، لأن المسلمين من غير العرب قد وفدوا ومعهم أفكار وتيارات وتصورات مختلفة حول الإله والدين فراحوا يفكّرون بطريقة منطقية عقلية مجردة عن التذوق المتألق لمعاني اللغة الصافية.
في هذه الأثناء وتلكم الأجواء ، ظهر الحديث عن وجه إعجاز القرآن ، ولما ذا عجز العرب عن الإتيان ولو بسورة من مثله ، وما هو سرّ قصورهم عن ذلك ، وكان أول ما بدأ ذلك في البصرة ، التي كانت تحتضن مجموعة من المذاهب الكلامية والفكرية المتعددة عندها برز مصطلح إعجاز القرآن بين الناس وتداولته الألسنة ، وكان أول من قال به