إن توجّه الدعاة بهذه البضاعة النضرة المتألقة يعني فتحا وانتصارا ، وإن كل داعية متسلح بهذه العلوم هو خير من الأسلحة الثقيلة وأقوى من الصواريخ والدبابات ، وعرضنا لهذه الحقائق نبتغي من ورائه هداية الناس خاصة أولئك الذين توغّلوا في المادة فنسوا الله والدار الآخرة ، وهدايتهم تعني إحياءهم وبث روح الإيمان في قلوبهم وعقولهم ، فالإسلام هو دين الحياة.
ثالثا ـ ضوابط التفسير العلمي للقرآن
وضع العلماء قيودا وضوابط لتفسير القرآن على أساس العلوم العصرية وهي :
١ ـ الاعتماد في تفسيرنا العلمي على الحقائق لا الفرضيات :
البعد في تفسيرنا عن الفرضيات والتخمين والنظريات ، لأن الفرضيات هي آراء يحاول أصحابها من الباحثين تفسير ظاهرة شاهدوها في مجال الطبيعيات والكونيات وفي شتّى الميادين وكما هو معلوم أن أي فرض علمي قابل للصحة والبطلان أو التعديل ، والحكم في ذلك هو التجربة والواقع وإذا ما انتقل الفرض إلى حيز النظرية فإنه لا يزال كذلك قابلا للأخذ والرد ، لكن عند ما يرقى إلى مستوى الحقيقة العلمية وصعيد اليقين الجازم يومذاك يكون تفسيرا قويا لآيات القرآن الكريم ، ونحن لا نجيز تفسير الآيات بالنظريات والفرضيات ، بل الدعامة العلمية التي ننهض عليها هي تفسير القرآن بحقائق العلم القطعية ، وذلك توصيدا لباب الشك والريب هنا ، فكم من نظرية ذاع صيتها وراجت بين الناس ثم أهيل عليها التراب فيما بعد وطويت في صفحات الزمن المنسي وأصبحت من الوهميات.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي : (أن نستخدم من نتائج العلوم ما استقر عند أهله ، وغدا حقيقة علمية يرجع إليها ، ويعوّل عليها ، ولا نعوّل على الفرضيات والنظريات التي لم تثبت دعائمها حتى لا نعرض فهمنا للقرآن للتقلب مع هذه الفرضيات ، فليكن اعتمادنا على الحقائق المقررة ، ولا يقال : إن العلم ليس فيه حقائق ثابتة إلى الأبد ، فكم من قضايا علمية كانت يوما ما بل ظلت قرونا وقرونا حقائق مقدسة ، ثم ذهبت قدسيتها العلمية ، وأثبت التطور العلمي عكسها ، وهذا صحيح ومعروف ، ولكن حسبنا الثبات النسبي للحقائق ، فهذا هو الذي في مقدورنا بوصفنا بشرا ، وقد قيل في تعريف التفسير هو : بيان المراد من كلام الله بقدر الطاقة البشرية) (١).
__________________
(١) كيف نتعامل مع القرآن العظيم ، يوسف القرضاوي ، ص ٣٨٢.