وفي «التوقيف على مهمات التعريف» : (الصرف : بالفتح رد الشيء من حالة إلى أخرى ، أو إبداله بغيره وتصريف الرياح : صرفها من حال إلى حال ، ومنه تصريف الكلام والدراهم ، والصريف اللبن إذا سكنت رغوته كأنه صرفت الرغوة عنه ، والصرف بالكسر : صبغ أحمر خالص ، ثم قيل لكل خالص من غيره صرف كأنه صرف عنه ما يشوبه) (١).
الصرفة اصطلاحا :
معناها (أن الله صرف العرب عن معارضة القرآن ، وسلب علومهم ، وكان مقدورا لهم ، لكن عاقهم أمر خارجي فصار كسائر المعجزات) (٢).
هذا معنى الصرفة ، ولكن منشأ القول بالصرفة ، وما هي ملامح الجوّ الذي صدر عنه هذا الفكر والعوامل التي كوّنت هذا التصور في أدمغة أصحابها؟ هذا ما أوضحه الإمام محمد أبو زهرة رحمهالله إذ يقول : (إن بعض المتفلسفين من علماء المسلمين اطلعوا على أقوال البراهمة في كتابهم «الفيدا» وهو الذي يشتمل على مجموعة من الأشعار ، ليس في كلام الناس ما يماثلها في زعمهم ويقول جمهور علمائهم : إن البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثلها ، لأن براهما صرفهم عن أن يأتوا بمثلها ... وعند ما دخلت الأفكار الهندية في عهد أبي جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس ومن والاه من حكام بني العباس تلقف الذين يحبون كل وافد من الأفكار ، ويركنون إلى الاستغراب في أقوالهم فدفعتهم الفلسفة إلى أن يعتنقوا ذلك القول «الصرفة» ويطبقوه على القرآن وإن كان لا ينطبق ، فقال قائلهم : إن العرب إذ عجزوا عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، ما كان عجزهم لأمر ذاتي من ألفاظه ومعانيه ونسجه ونظمه ، بل كان لأن الله تعالى صرفهم عن أن يأتوا بمثله ، وإن رواج تلك الفكرة يؤدّي إلى أمرين أولهما : أن القرآن الكريم ليس في درجة من البلاغة والفصاحة تمنع محاكاته وتعجز القدرة البشرية عن أن تأتي بمثله ، فالعجز ليس من صفات القرآن الذاتية ، وثانيهما : الحكم بأنه ككلام الناس لا يزيد عليه شيء في بلاغته أو في معانيه) (٣).
__________________
(١) التوقيف على مهمات التعاريف ، محمد عبد الرءوف المناوي ، دمشق ـ بيروت ، دار الفكر المعاصر ، تحقيق ، محمد رضوان الداية ، الطبعة الأولى ، ١٤١٠ ه ، ١ / ٤٥٤.
(٢) الإتقان ، للسيوطي ، ٢ / ٣١٤ ، والبرهان ، للزركشي ، ٢ / ٩٥.
(٣) المعجزة الكبرى ، محمد أبو زهرة ، ص : ٧٩ ، وانظر : البيان في علوم القرآن ، محمد علي الحسن ، بيروت ، دار الفكر العربي ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٨ ، ص : ٣٩.