وهي خاطئة : من غير شك لأنها تحمل أصحابها والمغرمين بها على تأويل القرآن تأويلا متكلفا يتنافى مع الإعجاز ولا يسيغه الذوق السليم.
وهي خاطئة : لأنها تعرّض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان ، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير ، فقد يصح اليوم في نظر العلم ما يصبح غدا من الخرافات.
فلو طبقنا القرآن على هذه المسائل العلمية المتقلبة ، لعرضناه للتقلب معها ، وتحمل تبعات الخطأ فيها ، ولأوقفنا أنفسنا بذلك موقفا حرجا في الدفاع عنه.
فلندع للقرآن عظمته وجلاله ، ولنحفظ عليه قدسيته ومهابته ، ولنعلم أن ما تضمنه من الإشارات إلى أسرار الخلق وظواهر الطبيعة إنما هو لقصد الحث على التأمل والبحث والنظر ...) (١).
٢ ـ سيد قطب (٢) :
موقف سيد قطب رحمهالله تعالى هو نفس موقف الشاطبي وشلتوت ، ولندع لقلمه البليغ أن يعرب عما يعتقده في هذا المجال ، وسوف نقتبس رأيه من تفسيره «الظلال» عند تعليقه على آية الأهلة (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣).
يقول : (القرآن قد جاء لما هو أكبر من تلك المعلومات الجزئية ، ولم يجيء ليكون كتاب علم فلكي أو كيماوي أو طبي كما يحاول بعض المتحمسين له أن يلتمسوا فيه هذه
__________________
(١) تفسير القرآن الكريم ، محمود شلتوت ، ص : ١٢.
(٢) ١٣٢٤ ـ ١٣٨٧ ه ، ١٩٠٦ ـ ١٩٦٦ ، الشهيد سيد بن قطب بن إبراهيم ، مفكر إسلامي مصري من مواليد قرية «موشا» في أسيوط ، تخرج بكلية دار العلوم بالقاهرة ، وعمل في جريدة الأهرام ، وكتب في مجلتي الرسالة والثقافة ، أوفد في بعثة لدراسة برامج التعليم في أمريكا ، ثم انضم إلى الإخوان المسلمين ، فترأس قسم نشر الدعوة وتولى تحرير جريدتهم ، وسجن معهم ، فعكف على تأليف الكتب ونشرها وهو في سجنه إلى أن صدر الأمر بإعدامه فأعدم ، كتبه كثيرة ومطبوعة منها ، النقد الأدبي ، والعدالة الاجتماعية في الإسلام ، والتصوير الفني في القرآن ، وفي ظلال القرآن ، وغيرها. انظر : الأعلام ، للزركلي ٣ / ١٤٨ ، بتصرف.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ١٨٩.