أخذوا يستندون إلى ثقافتهم الحديثة ، ويفسّرون آيات القرآن على مقتضاها ، نظروا في القرآن فوجدوا الله سبحانه وتعالى يقول : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (١) فتأولوها على نحو زين لهم أن يفتحوا في القرآن فتحا جديدا ، ففسروه على أساس من النظريات العلمية المستحدثة ، وطبّقوا آياته على ما وقعوا عليه من قواعد العلوم الكونية وظنوا أنهم بذلك يخدمون القرآن ، ويرفعون من شأن الإسلام ، ويدعون له أبلغ دعاية في الأوساط العلمية والثقافية.
نظروا في القرآن على هذا الأساس ، فأفسد ذلك عليهم أمر علاقتهم بالقرآن ، وأفضى بهم إلى صور من التفكير لا يريدها القرآن ، ولا تتفق مع الغرض الذي من أجله أنزله الله ، فإذا مرت آية فيها ذكر للمطر أو وصف للسحاب أو حديث عن الرعد أو البرق تهللوا واستبشروا وقالوا : هذا هو القرآن يتحدث إلى العلماء الكونيين ، ويصف لهم أحدث النظريات العلمية عن المطر والسحاب وكيف ينشأ وكيف تسوقه الرياح ، وإذا رأوا القرآن يذكر الجبال أو يتحدث عن النبات أو الحيوان وما خلق الله من شيء قالوا : هذا حديث القرآن عن علوم الطبيعة وأسرار الطبيعة ، وإذا رأوه يتحدث عن الشمس والقمر والكواكب والنجوم ، قالوا : هذا حديث يثبت لعلماء الهيئة والفلكيين أن القرآن كتاب علمي دقيق ...) (٢).
وبعد استعراضه بعض الآيات التي فسّرت تفسيرا علميا يقول : (إن هؤلاء في عصرنا الحديث لمن بقايا قوم سافلين فكّروا مثل هذا التفكير ، ولكن على حسب ما كانت توحي به إليهم أحوال زمانهم فحاولوا أن يخضعوا القرآن لما كان عندهم من نظريات علمية أو فلسفية أو سياسية) (٣).
ثم يبين جوانب الخطأ في هذا الاتجاه فيقول : (هذه النظرة للقرآن خاطئة من غير شك ، لأن الله لم ينزل القرآن ليكون كتابا يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف.
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ٣٨.
(٢) تفسير القرآن الكريم ، محمود شلتوت ، القاهرة ، دار الشروق ، الطبعة السادسة ، ١٣٩٤ ه / ١٩٧٤ ، ص ١١.
(٣) المصدر نفسه ، ص : ١١.