(ثم أخذت الأدلة والبراهين ، التي تثبت كروية الأرض تتعدد ومنها :
أولا : إننا عند ما نكون في مرفإ ، فإننا أول ما نشاهده من السفن القادمة من عباب البحر نحو ذلك المرفأ أعلاها ، ومع تزايد اقترابها منا نرى القسم الأوسط منها ، ثم نراها بكاملها ، وعند إقلاع البواخر من ذلك المرفأ فإن أول ما يغيب عن عيوننا بعد ابتعادها الأقسام السفلى منها ، ثم وسطها وعند ابتعادها كثيرا يختفي أعلاها.
ثانيا : رؤية ظل الأرض على شكل دائرة ، على صفحة البدر صيف الكسوف (١).
ثالثا : اختفاء بعض كوكبات السماء كلما اتجهنا جنوبا أو شمالا على سطح الأرض ، وظهور كوكبات جديدة لم نكن نراها بسبب تحدب سطح الأرض.
رابعا : استدارة الأفق من حولنا عند ما نكون في عرض البحر ، أو في صحراء أو في بادية مترامية الأطراف.
خامسا : اختلاف التوقيت الزمني بين بلدان العالم الذي يكشفه لنا المذياع أو الاتصال الهاتفي وكيف أنه عند ما يكون الوقت لدينا نهارا ، يكون في نفس اللحظة في دولة أخرى ليلا ، ولو كانت الأرض منبسطة لغمرت كلها بالنور دفعة واحدة عند شروق الشمس فعمّها النور ، ولغمرت كلها بالظلمة دفعة واحدة بعد غياب الشمس فعمّها الليل.
سادسا : وأنه إذا قدر لنا أن نرتفع في الجو حتى علو ٣٠ ألف كلم ، لاستطعنا أن نرى الأرض عندها دفعة واحدة ، بشكلها الكروي ، علما بأن بلوغ هذا الارتفاع لا تحققه لنا إلا المركبات الفضائية التي يمتطيها رواد الفضاء اليوم) (٢).
الإعجاز :
ولا أرى حاجة في إيراد المزيد من الأدلة العلمية على كروية الأرضية ، لأن العلماء والذين قد اخترقوا أجواء السماء بسفنهم الفضائية ، قد صوروا الأرض واتضحت كرويتها لكل ذي لب.
تلك هي الحقيقة التي أثبتها العلم ، وكشفتها سفن الفضاء وقررها كتاب الله قبل أكثر من أربعة عشر قرنا ، فهل بعد هذه الحقائق العلمية الساطعة يقال بأن القرآن من تأليف
__________________
(١) تعني كسوف الشمس الذي يقع في فصل الصيف.
(٢) انظر : الأرض ، إبراهيم حلمي غوري ، بيروت ، دار الشرق العربي ، د. ت ، ص ٥٠ ـ ٥١.