الخلق كافة ، وأنه بشير بالجنة ونذير بالنار ، وأنه قد نسخ به كل شريعة تقدمته ، ودين دان به الناس شرقا وغربا ، وأنه خاتم النبيين ، وأنه لا نبي بعده ، إلى آخر ما صدع به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم يقول : وحجتي أن الله تعالى قد أنزل عليّ كتابا عربيا مبينا ، تعرفون ألفاظه ، وتفهمون معانيه ، إلا أنكم لا تقدرون على أن تأتوا بمثله ولا بعشر سور منه ، ولا بسورة واحدة ولو جهدتم جهدكم ، واجتمع معكم الجن والإنس ، ثم لا تدعوهم نفوسهم إلى أن يعارضوه ، ويبينوا شرفه في دعواه ، مع إمكان ذلك ، ومع أنهم لم يسمعوا إلا ما عندهم مثله أو قريب منه) (١)؟
يتضح لنا مما سبق أن القوم قد عجزوا عن مجاراة القرآن ، وأن ما أوتوه من بلغة وحنكة وفطنة تذوب وتتضاءل أمام روعة القرآن وبيانه ، فمنهم من واجهه بكل قبيح ووقفوا له بكل سبيل ، وهم موقنون في قرارة أنفسهم بعجزهم عن الإتيان ولو بسورة من مثله ، ومنهم من قد اهتزت مشاعرهم لسماعه ، وتفاعلت أحاسيسهم لآياته ، واستثارت كلماته من أقاصي أفئدتهم صبابة وكلفا ، وهؤلاء على قسمين ، فمنهم الذين أخبتوا لله وحكّموا عقولهم ، ونبذوا العصبية الحالكة فآمنوا بالله ربا وبمحمد نبيا وبالقرآن كتابا منزّلا ، ومنهم من استعبدهم الاستكبار والعناد وركبوا رءوسهم فعرفوا الحق ثم حادوا عنه ، ورأوا النور لكنهم آثروا الظلام ، وكلا الفريقين قد أقرّ بعظمة القرآن ولكن شتان بين من قد أقرّ فآمن ، وبين من قد أقرّ ثم نكص وكفر وفرّ ، ولنستعرض بعض الأمثلة للفريقين.
١ ـ اعتراف بلغاء المشركين بإعجاز القرآن
أولا ـ عتبة بن ربيعة :
روى ابن إسحاق : (أن عتبة بن ربيعة وكان سيدا قال يوما وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلىاللهعليهوسلم جالس في المسجد وحده : يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يزيدون ويكثرون ، فقال : بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه ، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا ابن أخي ، إنك منا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة ، والمكان في النسب ، وإنك أتيت قومك بأمر عظيم
__________________
(١) المصدر نفسه ، ص : ١٢٠.