المبحث الثالث
الرواسي الشامخات والماء الفرات
قال الله تعالى : (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) (١).
في هذه الآية الكريمة معجزة قرآنية كبيرة ، وإشارة علمية جيولوجية فريدة ، فالآية تشير إلى علاقة متينة بين الجبال الشامخات والماء الفرات ، والذي يتأمل قوله تعالى : (شامِخاتٍ) يدرك روعة الإعجاز في بيان القرآن هذا ، فالله سبحانه وتعالى يلفت انتباهنا إلى حقيقة علمية مرئية في عالم الشهادة ، فكلما كانت الجبال ذات شموخ وارتفاع وعلو كان نصيب الماء فيها أغزر ، واستأهلت لتكون محطة لواردات الثلوج المتراكمة ، وذاك الماء الذي ينساب من قممها وسفوحها يكون عذبا فراتا سائغا للشاربين ...
وبجولة في تفاسير العلماء ، نرى دقة هذا الارتباط الوثيق بين شموخ الجبال وغزارة المياه.
يقول ابن كثير : (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ) يعني الجبال أرسى بها الأرض لئلا تميد وتضطرب (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) أي عذبا زلالا من السحاب ، أو مما أنبعه من عيون الأرض) (٢).
وعند القرطبي : ((رَواسِيَ شامِخاتٍ) يعني الجبال ، والرواسي الثوابت ، والشامخات الطوال ، ومنه يقال : شمخ بأنفه إذا رفعه كبرا ، قال :
(وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) أي وجعلنا لكم سقيا ، والفرات ، الماء العذب يشرب ويسقي منه الزرع ، أي خلقنا الجبال وأنزلنا الماء الفرات) (٣).
__________________
(١) سورة المرسلات ، الآية ٢٧.
(٢) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، ٨ / ٣٠٣ ، وانظر : لباب التأويل في معاني التنزيل ، علاء الدين علي بن محمد الخازن ، بغداد مكتبة المثنى ، د. ت ، ٤ / ٣٦٩.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ١٩ / ١٦٠ ، وانظر : تفسير القرآن ، منصور بن محمد السمعاني ، تحقيق ، ياسر إبراهيم وغنيم عباس الرياض ، دار الوطن ، ١٩٩٧ ، ٦ / ١٣٠.