المبحث الأول
تكوين الجبال
قال تعالى : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) (١).
وقال سبحانه : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) (٢).
وقال جل ثناؤه : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً) (٣).
تتحدّث هذه الآيات عن نشأة الجبال وتكوينها ، فبعد أن مدّ الله سبحانه وتعالى الأرض وبسطها جعلت تميد ، فألقى فيها رواسي شامخات ليثبتها من حركتها المضطربة ، ليتسنّى للمخلوقات التي أودعها الله فيها العيش الهادئ الهانئ.
والإعجاز العلمي في قوله تعالى : (وَالْقِيَ) والإلقاء كما نعلم يكون من أسفل إلى أعلى ، كما في قوله تعالى : (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤)) (٤) ، ومن الأعلى إلى الأسفل ، ومن النوعين كانت نشأة الجبال ، وفي نظرة لما قاله المفسرون تزداد الصورة بيانا ووضوحا.
يقول الطبري : (وجعل في الأرض جبالا ثابتة ، والرواسي ، جمع راسية وهي الثابتة ، يقال : منه أرسيت الوتد في الأرض ، إذا أثبته) (٥).
وفي «روح المعاني» : (وجعل فيها رواسي ، أي جبالا ثوابت ، من الرسو ، وهو ثبات الأجسام الثقيلة ، ولم يذكر الموصوف لإغناء غلبة الوصف بها عن ذلك ... وأما الارتفاع فله سبب بالذات وسبب بالعرض ، أما الأول : فكما إذا نقلت الريح الفاعلة
__________________
(١) سورة ق ، الآية : ٧.
(٢) سورة النحل ، الآية : ١٥.
(٣) سورة الرعد ، الآية : ٣.
(٤) سورة الانشقاق ، الآيتان ٣ ، ٤.
(٥) جامع البيان ، للطبري ، ٣١ / ٦٣ ، وانظر : تفسير غريب القرآن ، عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، بيروت ، دار الهلال ، ١٩٩١ ، ص : ٢٤٢.