ويتسنّى لنا الآن أن نستخلص من معطيات ما سبق ، أن الإثارة معناها الإظهار ، وليس كما ظن المفسرون جزاهم الله خيرا ورحمهمالله ، أن الإثارة هي تقليب الرياح وتحريكها ، لا بل إن المقصود بالإثارة هنا الإظهار كما رأينا في المعاجم ، ذلك لأن الرياح تحمل بخار الماء ونوى التكاثف لتكوين السحاب ، ثم بعد ذلك تتم إثارته أي إظهاره ليكون مرئيا للعيان ، ثم تحريكه وتوزيعه بحكمة العليم الحكيم جل جلاله ، وهذه حقيقة كشف عنها العلماء.
الحقائق العلمية :
ففي موسوعة «المعارف الكونية» : (الإثارة هي تحريك السحاب ، والعلم أوضح لنا أن الرياح تحمل بخار الماء ونوى التكاثف لكي يتكوّن السحاب وتتم إثارته ويظهر للأعين ، وبعد ذلك يتم تحويله وتحريكه بتوجيه إلهي ، وبهذا يجب علينا أن نستبعد حركة السحاب ضمن معاني الإثارة ، فالآية هنا رتبت السوق على الإثارة وليس العكس ، ولهذا فإن الإثارة هي بالتأكيد إظهار وتكوين السحب أولا ، وذلك بالتكثيف ، فكلنا يعرف الآن أن السحاب بخار كان كامنا في الهواء غير المشبع أو في الهواء فوق المشبع الخالي من نوى التكاثف ، ثم ظهر بالتكثيف بفعل الرياح سواء كان ذلك بحملها البخار إلى المناطق الباردة العلوية ، أو بحملها نوى التكاثف ، وبذلك يتضح لنا المعنى العلمي للآية الكريمة المراد من إثارة الرياح للسحاب ، أي أثر الرياح في تكوين السحاب وإظهاره وليس نقله كما اعتقد المفسرون) (١).
وفي كتاب «الطقس» : (يتكوّن بخار الماء في الجو عن طريق تبخّر مياه المحيطات والبحيرات والأنهار ، وتقوم النباتات بعد امتصاص جذورها لسوائل التربة ، بإطلاق كميات كبيرة من بخار الماء من خلال أوراقها ، وتدعى العملية «بالنقع» ويجري تبخر المياه بشكل رئيسي من الأجزاء الأكثر دفئا من المحيطات ، ومن الغابات الاستوائية ، ثم تنتقل بعد ذلك باتجاه علوي حيث تحملها الرياح حتى تنفذ إلى كافة أجواء الغلاف السفلي ... وعند ما يتكثف الماء في الجو فإنه يبدو أولا بشكل سحب ، إذا كان في طبقة هوائية عالية ، وبشكل ضباب إذا كان قريبا من الأرض ، وتتألف السحب من
__________________
(١) المعارف الكونية ، إعداد نخبة من العلماء ، ص : ٣٥٧ ، وانظر : الاستمطار ، محمد فياض وأحمد خليل ، الكويت ، دار سعاد الصباح ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٩ ، ص : ١٥ ، وانظر :
الطقس والمناخ ، محمد عياد مقيلي ، ليبيا ، نشر الجامعة المفتوحة ، ١٩٩٢ ، ص : ١٣٨.