عمره في تعلم ذلك ، فيورده النبي صلىاللهعليهوسلم على وجهه ويأتي به على نصه ، فيعترف العالم بذلك بصحته وصدقه ، وأن مثله لم ينله بتعليم) (١).
أما الوجهان اللذان ألحقهما بالأوجه الأربعة فهما :
(١ ـ الروعة التي تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم عند سماعه ، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله وأناقة خطره ، وهي على المكذبين به أعظم ، حتى كانوا يستثقلون سماعه وتزيدهم نفورا) (٢).
(٢ ـ كونه آية باقية ، لا تعدم ما بقيت الدنيا ، مع تكفل الله بحفظه) (٣).
أما الأوجه التي ساقها رحمهالله ولم يعتد بها ، فهي كما يذكرها هو :
(أن قارئه لا يمله ، وسامعه لا يمجه ، بل الإكباب على تلاوته يزيده حلاوة ، وترديده يوجب له محبة لا يزال غضا طريا ...
وجمعه لعلوم ومعارف لم تعهد العرب عامة ، ولا محمد صلىاللهعليهوسلم قبل نبوته خاصة ، لمعرفتها ، ولا القيام بها ولا يحيط بها أحد من علماء الأمم ، ولا يشتمل عليها كتاب من كتبهم ، فجمع فيه من بيان علم الشرائع والتنبيه على طرق الحجج العقليات ، والرد على فرق الأمم ، ببراهين قوية ، وأدلة بينة سهلة الألفاظ موجزة المقاصد ...
وجمعه فيه بين الدليل ومدلوله ، وذلك أنه احتج بنظم القرآن وحسن رصفه ، وإيجازه وبلاغته وأثناء هذه البلاغة أمره ونهيه ، ووعده ووعيده ، فالتالي له يفهم موضوع الحجة والتكليف معا من كلام واحد ، وسورة منفردة.
وجعله في حيز المنظوم الذي لم يعهد ، ولم يكن في حيز المنثور ، لأن المنظوم أسهل على النفوس وأوعى للقلوب ، وأسمع في الآذان ، وأحلى على الأفهام ، فالناس إليه أميل ، والأهواء إليه أسرع.
ومنها تيسيره تعالى حفظه لمتعلميه ، وتقريبه على متحفظيه ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٤) وسائر الأمم لا يحفظ كتبها الواحد منهم ، فكيف الجمّاء على مرور السنين عليهم.
__________________
(١) المصدر نفسه ، ١ / ٣٧٩.
(٢) الشفا ، للقاضي عياض ، ١ / ٣٨٤.
(٣) المصدر نفسه ، ١ / ٣٨٨.
(٤) سورة القمر ، الآية : ١٧.