كما وصفها به جلّ ثناؤه من صفتها ، وإن كانت قد تلقح السحاب والأشجار ، فهي لاقحة ملقحة ، ولقحها : حملها الماء ، وإلقاحها السحاب والشجر عملها فيه ، وذلك كما قال عبد الله بن مسعود) (١).
وذهب طائفة من المفسرين إلى أن المقصود باللواقح هو تلقيح الرياح للشجر ، ومنهم من قرن تلقيح الشجر وتلقيح الرياح للسحب ، وعلى رأسهم ابن كثير إذ يقول : (أي تلقح السحاب فتدر ماء وتلقح الشجر فتفتح عن أوراقها وأكمامها ، وذكرها بصيغة الجمع ليكون منها الإنتاج بخلاف الريح العقيم فإنه أفردها ووصفها بالعقيم وهو عدم الإنتاج) (٢).
ومعنى لواقح في اللغة : (اللقح اسم ما أخذ من الفحال ليدس في الآخر ، وجاءنا زمن اللقاح أي التلقيح ، وقد لقحت النخيل ، ويقال للنخلة الواحدة : لقحت بالتخفيف واستلقحت النخلة ، أي آن لها أن تلقح ، وألقحت الريح السحابة والشجرة ونحو ذلك في كل شيء يحمل ، واللواقح من الرياح التي تحمل الندى ثم تمجه في السحاب فإذا اجتمع في السحاب صار مطرا ، وقيل : إنما هي ملاقح ، فأما قولهم : لواقح فعلى حذف الزائد ، قال الله سبحانه : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ)) (٣).
يمكن لنا أن نستخلص من معطيات الآية القرآنية ما يلي :
أولا : أن الله سبحانه وتعالى أرسل الرياح وسخرها لمنافع العباد ، وصورة المنفعة في هذه الآية أنها تعمل على التلقيح «لواقح».
ثانيا : والتلقيح يكون للأشجار والسحب معا ، إلا أن الآية هنا تتحدث عن تلقيح الرياح للسحب فقط.
ولقد حمل هذه الآية عدد من المفسرين القدامى والمعاصرين ، وصرفوا وجه الإعجاز فيها على أن المقصود باللواقح تلقيح الزرع والشجر ، والذي يتمعن في قوله تعالى : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) يجد أنها تستوعب كلا المعنيين ، لكن ما ينبغي أن نغفل الجزء الثاني من الآية ، وهو قوله تعالى : (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) فلو أن ما
__________________
(١) جامع البيان ، للطبري ، ١٤ / ١٤.
(٢) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣ / ٣٩٦.
(٣) لسان العرب ، لابن منظور ، ٢ / ٥٩٧ ، وانظر : القاموس المحيط ، للفيروزآبادي ، ١ / ٣٠٦.