قال الفرّاء : ناظرت الكسائيّ يوما وزدت ، فكأنّي كنت طائرا يشرب من بحر (١).
وعن الفرّاء قال : إنّما تعلّم الكسائيّ النّحو على كبر ، لأنّه جاء إلى قوم وقد أعيا ، فقال : قد عيّيت. فقالوا له : تجالسنا وأنت تلحن؟
قال : وكيف؟
قالوا : إن أردت من التعب فقل أعييت ، وإن انقطعت الحيلة في الأمر فقل عييت.
فأنف من هذا وقام ، وسأل عمّن يعلّم النّحو ، فأرشد إلى معاذ الهرّاء ، فلزمه حتى أنفد ما عنده ، ثم خرج إلى الخليل (٢).
قلت : وقد كانت للكسائيّ عند الرشيد منزلة رفيعة ، وسار معه إلى الرّيّ ، فمرض ومات بقرية رنبويه ، فلما اعتلّ تمثّل وقال :
قدر أحلّك ذا النخيل وقد رأى |
|
وأبي ، ومالك (٣) ذو النخيل بدار |
ألا كداركم (٤) بذي بقر الحمى |
|
هيهات ذو بقر من المزوار |
ومات ومعه محمد بن الحسن الفقيه ، فقال الرشيد لمّا رجع إلى العراق : دفنت الفقه والنّحو برنبويه (٥).
وقال نصير بن يوسف : دخلت على الكسائيّ في مرض موته فأنشأ يقول : قدر أحلّك.
وذكر البيتين ، فقلت : كلّا ، ويمتع الله الجميع بك.
__________________
=في فتحه أقلّ (إن ترن أنا أقلّ منك مالا). فقال الكسائي : أكثر ، فمحوه من كتبهم ثم قال لي : يا خلف يكون أحد من بعدي يسلم من اللحن؟ قال : قلت : لا ، أما إذا لم تسلم أنت فليس يسلم أحد بعدك ، قرأت القرآن صغيرا ، وأقرأت الناس كبيرا وطلبت الآثار فيه والنحو.
(١) تاريخ بغداد ١١ / ٤١٩.
(٢) تاريخ بغداد ١١ / ٤٠٤ ، معجم الأدباء ١٣ / ١٦٨ ، ١٦٩.
(٣) في الأصل «وقد ترى وأبي وأنا لك» ، والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٤) في تاريخ بغداد «كدركما».
(٥) تاريخ بغداد ١١ / ٤١٤ ، وانظر وفيات الأعيان ٣ / ٢٩٦ ، معجم الأدباء ١٣ / ٢٠٠.