ديوان خراجهم. وكان عقد الهدنة مع الملكة ريني (١). فخلعها الروم وسلطنوا نقفور.
[كتاب نقفور إلى الرشيد والردّ عليه]
ثم ماتت ريني بعد أشهر ، فكتب :
من نقفور ملك الروم ، إلى هارون ملك العرب ، أما بعد فإنّ الملكة التي قبلي كانت أقامتك مقام الرّخ (٢) وأقامت نفسها مقام البيدق (٣) ، فحملت إليك من أموالها أحمالا ، وذلك لضعف النساء وحمقهنّ (٤) ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها وافتد نفسك (٥) ، وإلّا فالسيف بيننا وبينك (٦).
قال : فلما قرأ الرشيد الكتاب استشاط غضبا حتى لم يمكن أحد أن ينظر إلى وجهه دون أن يخاطبه ، وتفرّق جلساؤه من الخوف ، واستعجم الرأي على الوزير. فدعا الرشيد بدواة وكتب على ظهر كتابه : «بسم الله الرحمن
__________________
(١) في الأصل «زبني» ، وقد تقدّم التعليق على هذا الاسم في حوادث سنة ١٨٢ ه. من هذا الجزء.
(٢) الرّخ : أقوى قطع الشطرنج عند العرب. كالقائد ، وكصاحب الجيش ، وهو فارس كالفرس ، وله فضل رياسة. (أنموذج القتال في نقل العوال ، لابن أبي حجلة التلمساني ٨٠ و ٨٦).
(٣) البيدق : جمعه : البيادق : أضعف قطع الشطرنج. كالرّجّالة تدفع ما بين أيديها ، فإذا صار الرّخّ خلفها واستدبرها أفناها ، كفعل الفرسان في الحرب بالرجّالة. (أنموذج القتال ٨٦) وقد استعمل العرب كلمة «بيدق» للدلالة على الرجل القصير القامة. فوصف ملك الروم الخليفة الرشيد بالرّخّ وهو الطائر الضخم القويّ ، والملكة بالبيدق الرجل القصير الضعيف.
(٤) النص عند الطبري : «فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أمثالها إليها ، لكن ذاك ضعف النساء وحمقهنّ».
(٥) عند الطبري زيادة : «بما يقع به المصادرة لك».
(٦) تاريخ الطبري ٨ / ٣٠٧ ، ٣٠٨ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٨٥ ، مآثر الإنافة ١ / ١٩٥ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٠٩ ، ٣١٠ ، نهاية الأرب ٢٢ / ١٤٩ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧ ، البداية والنهاية ١٠ / ١٩٤ ، دول الإسلام ١ / ١١٨ ، ١١٩ ، و ١٥٣ تاريخ الخلفاء للسيوطي ٢٨٨ ، تاريخ مختصر الدول ١٢٩ ، مرآة الجنان ١ / ٤٠٣.
وقد ورد نص الكتاب مختلفا عند أبي الفرج في (الأغاني ١٨ / ٢٣٩) : «من نقفور ملك الروم إلى الرشيد ملك العرب ، أمّا بعد ، فإنّ هذه المرأة كانت وضعتك وأباك وأخاك موضع الملوك ووضعت نفسها موضع السوقة ، وإني واضعك بغير ذلك الموضع ، وعامل على تطرّق بلادك والهجوم على أمصارك ، أو تؤدّي إليّ ما كانت المرأة تؤدّي إليك ، والسلام».