شيء من الرائي والمرئي واتصاله بهما ، لكن أهل الأصول اختلفوا في أنّ الرؤية إدراك وراء العلم أم علم مخصوص. ومن زعم أنّه إدراك وراء العلم اختلف في البنية ، واتصال الشعاع ، ونفي القرب المفرط ، والبعد المفرط ، وتوسط الهواء المشفّ (النور الحامل للصورة). فشرطها المعتزلة ونفوا رؤية الباري تعالى بالأبصار نفي الاستحالة ، والأشعري أثبتها إثبات الجواز على الإطلاق ، والوجوب بحكم الوعد» (١).
يلاحظ عليه : إنّ الرؤية التي يدعيها أهل الحديث تبعا لما يروونه في هذا المجال ، ولما استظهروه من القرآن عبارة عن رؤية الله تبارك وتعالى بهذه الأبصار الحسية كرؤية القمر في ليلة البدر. وأما غير ذلك مما يدعيه العرفاء وأهل الكشف والشهود ، خارج عن محط البحث. ومن المعلوم أنّ الرؤية بهذا المعنى لا تتحقق إلا بالشرائط التي أطبق عليها علماء الطبيعة ، قديمها وحديثها ، مع اختلاف في تحقيق الشرائط وتحليلها ، فلو أريد من الرؤية غير هذا ، لما ورد النفي والإثبات على شيء واحد. وتمنّي الرؤية بلا هذه الشرائط كتمني رسم الأسد على عضد البطل من دون أن يكون له رأس ولا ذنب (٢).
٢ ـ قال الفاضل القوشجي بعد شرح معنى الرؤية إما بالارتسام أو خروج الشعاع : «إنا إذا عرفنا الشمس مثلا بحد أو رسم ، كان نوعا من المعرفة ، ثم إذا أبصرناها وغمضنا العين ، كان نوعا آخر فوق الأول. ثم إذا فتحنا العين حصل نوع آخر من الإدراك فوق الأوّلين نسميه الرؤية ، ولا يتعلق في الدنيا إلا بما هو في جهة ومكان. فمحل النزاع أنّ مثل هذه الحالة الإدراكية يصح أن تقع بدون المقابلة ، وتتعلق بذات الله منزهة عن الجهة والمكان،
__________________
(١) نهاية الإقدام ، ص ٣٥٦.
(٢) مثل يضرب لتمني الشيء المحال وأصل القصة : إنّ بطلا ورد كانا يريد أن يضرب على بدنه صورة الأسد. فكان كلما وخزه صاحب الدكان بالإبرة صرخ وقال : ما ذا تضرب؟ فيجيب : رأسه. فيقول : لا تضرب رأسه. فإذا وخزه أخرى صرخ وتأوّه وقال : ما ذا تضرب؟ فيجيب : ذنبه. فيقول : لا تضربه. وهكذا. فضرب به المثل.