التقدير الإلهي بحسن الفعل أو سوئه معارضا لتقديره الأول سبحانه ، بل هو أيضا جزء من قدره وسنته. فإنّ الله سبحانه إذا قدّر لعبده شيئا وقضى له بأمر ، لم يقدره ولم يقضه عليه على وجه القطع والحتم ، بحيث لا يغير ولا يتبدل ، بل قضاؤه وقدره على وجه خاص ، وهو أنّ ما قدّر للعبد يجري عليه ما لم يغير حاله بحسن فعل أو سوئه ، فإذا غيّر حاله تغيّر قدر الله وقضاؤه في حقه وحلّ مكان ذلك القدر قدر آخر ، ومكان ذلك القضاء قضاء آخر. والجميع (من القضاء والقدر السابقين واللّاحقين) قضاء الله وقدره ، وهذا هو البداء الذي تتبناه الإمامية من مبدأ تاريخها إلى هذا الوقت. ولأجل إيقاف الباحث على صدق هذا المقال نأتي ببعض النصوص لأقطابها القدماء حتى يعرف أنّ ما نسب إليها من معنى البداء أمر لا حقيقة له.
قال الشيخ الصدوق (ت ٣٠٦ ـ م ٣٨١) في باب الاعتقاد بالبداء : «إنّ اليهود قالوا : إنّ الله تبارك وتعالى قد فرغ من الأمر ، قلنا : بل هو تعالى (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (١) لا يشغله شأن عن شأن. يحيي ويميت ويخلق ويرزق ويفعل ما يشاء. وقلنا : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٢)» (٣).
وقال الشيخ المفيد (ت ٣٣٦ ـ م ٤١٣) في (شرح عقائد الصدوق) : «قد يكون الشيء مكتوبا بشرط فيتغير الحال فيه ، قال الله تعالى : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) (٤). فتبين أنّ الآجال على ضربين ، وضرب منها مشترط يصح فيه الزيادة والنقصان. ألا ترى قوله تعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ)(٥).
__________________
(١) سورة الرّحمن : الآية ٢٩.
(٢) سورة الرعد : الآية ٣٩.
(٣) عقائد الصدوق ، المطبوع في ذيل شرح الباب الحادي عشر ، ص ٧٣.
(٤) سورة الأنعام : الآية ٢.
(٥) سورة فاطر : الآية ١١.