الأقرع والأبرص والأعمى : «بدا لله عزوجل أن يبتليهم» (١).
فبأي وجه فسّر كلام النبي يفسر به كلام أوصيائه.
فاتضح بذلك أنّ التسمية من باب المشاكلة وأنّه سبحانه يعبر عن فعل نفسه في مجالات كثيرة بما يعبر به الناس عن فعل أنفسهم ، لأجل المشاكلة الظاهرية ، ولكونه مقتضى المحاورة مع الناس والتحدث معهم. وقد ذكرنا نماذج من ذلك فيما سبق.
وباختصار : إنّ البحث في حقيقة البداء المقصودة للإمامية أمر اتفق المسلمون حسب نصوص كتابهم وأحاديث نبيّهم عليه ، ولا يمكن لأحد إنكاره.
وأما التسمية بالبداء فمن باب المشاكلة والمجاز ، فمن لم يستسغه فليسمه باسم آخر «وليتّق الله ربه في أخيه المؤمن ، ولا يبخس منه شيئا» ؛ (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢).
وبذلك تقف على أنّ ما ذكره الإمام الأشعري في (مقالات الإسلاميين) (٣) والبلخي في تفسيره (٤) ، والرازي في (نقد المحصّل) (٥) ، وغيرهم حول البداء ، لا صلة له بعقيدة الشيعة فيه. فإنهم فسروا البداء لله بظهور ما خفي عليه والشيعة براء منه ، بل البداء عندهم تغيير التقدير بالفعل الصالح والطالح فلو كان هناك ظهور بعد الخفاء فهو بالنسبة إلينا لا بالنسبة إلى الله تعالى ، بل هو بالنسبة إليه إبداء ما خفي وإظهاره. ولو أطلق عليه فمن باب التوسع.
__________________
(١) النهاية في غريب الحديث والأثر ، للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك ابن محمد الجزري ، ج ١ ـ ص ١٠٩.
(٢) سورة هود : الآيتان ٨٥ و ٨٦.
(٣) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ، ص ١٠٧ و ١٠٩ و ١١٩ ، طبعة محي الدين عبد الحميد.
(٤) نقله شيخنا الأكبر الطوسي في تفسيره : التبيان ، ج ١ ، ص ١٣ ـ ١٤ ، طبعة النجف.
(٥) نقد المحصّل ، ص ٤٢١.