مستندا إلّا إلى نفس الإنسان وذاته ، فإنها المبدأ لظهوره في الضمير.
إنما الكلام في كون هذا المرجح فعل اختياري للنفس أو لا.
فمن قال بأنّ الفعل الاختياري ما يكون مسبوقا بالإرادة ، وقع في المضيق في جانب الإرادة. إذ على هذا تصير الإرادة فعلا غير اختياري ، لأنها غير مسبوقة بإرادة أخرى كما هو واضح وجدانا ، وعلى فرض احتماله ننقل الكلام إلى الإرادة الثانية ، فإمّا أن يتوقف فيلزم كون الثانية غير اختيارية ، أو يتسلسل وهو باطل.
وأمّا على القول المختار ، كما سيوافيك بيانه عند البحث عن الجبر الفلسفي ، من أنّ التعريف المذكور مختص بالأفعال الجوارحية كالأكل والشرب فإن الاختيارية منها ما يكون مسبوقا بالإرادة دون الأفعال الجوانحية للنفس ، كالعزم والإرادة ، فإنّ ملاك اختياريتها ليس كونها مسبوقة بالإرادة بل كونها فعلا للفاعل المختار بالذات أعني النفس الناطقة ، فإنّ الاختيار والحرية نفس ذاته وحقيقته وسنبرهن على ذلك عند البحث عن الجبر الفلسفي.
وعلى هذا فالاستدلال مبتور جدا. أضف إلى ذلك : أنّ الظاهر من كلامهم أنّ المرجح للفعل شيء خارج عن محيط إرادة الفاعل واختياره ، وهو شيء يخالف الفطرة والشهود الوجداني لكل فاعل. بل المرجح ، وإن شئت قلت بعبارة صحيحة ، الجزء الأخير من العلة التامة ، هو الإرادة وهي فعل اختياري للنفس لا لكونها مسبوقة بالإرادة بل لكونها ظلالا للفاعل المختار بالذات ، أعني النفس التي هي المثل الأعلى لله سبحانه ، فهو أيضا فاعل مختار بالذات تكون أفعاله أفعالا اختيارية لكونها ظلالا للفاعل المختار بالذات.
ثم إنّ بعض المحققين أجاب عن استدلال الأشاعرة بجواب غير تام وحاصله : إنّ الترجيح بلا مرجح لا مانع منه وإنّ وجود المرجح وأصل الفعل وطبيعته كاف وإن كانت أفراده متساوية من دون أن يكون لبعضها مرجح على