وأما الثالث من العوامل أعني البيئة ، فلها دور خاص في تكوين الشخصية ، فالقاطنون في المناطق الحارة تختلف طباعهم وروحياتهم عمن يعيشون في المناطق الباردة ، لكن العوامل الطبيعية والجغرافية كالعاملين السابقين لا تبلغ في التأثير حدّ الجبر بحيث لا يتمكن الإنسان من التخلص من أثرها.
فإذا كان تأثير كل منها تأثيرا اقتضائيا ، فليس مجموعها أيضا مؤثرا على وجه الإيجاب بحيث لا يمكن تغيير آثارها بالعوامل المشابهة. وليس الإنسان بعد ما تأثر بالوراثة والثقافة والبيئة كمجسمة حجرية لا يمكن تغيير صفتها أو جزئها إلّا بالقضاء عليها ، بل الإنسان بعد ذلك قابل للتأثّر والتغيير في ظل عاملين مختلفين :
١ ـ التفكر والتدبّر في صالح أعماله وطالح أفعاله ، وما يترتب عليهما من الآثار والمضاعفات ، سواء أكانت الأفعال مناسبة لشخصيته المكونة في ظل تلك العوامل ، أو منافية لها. وإنكار ذلك إنكار للبداهة.
٢ ـ الوقوع في إطار ثقافة وبيئة تختلف عمّا كان فيه ، فلا شك أنّ لهذين العاملين ، حتى في السنين المتأخرة من العمر ، تأثير في إزالة بعض أو كل ما خلفته العوامل السابقة. وهذا دليل على أنّ المثلث الماضي لم يكن مؤثرا بنحو الإيجاب حتى لا يمكن التخلّف عنه ، بل التأثير بشكل الاقتضاء.
وفي الختام ، لا يمكن لإنسان أن ينكر دور الأنبياء والمصلحين في تغيير الأجيال والمجتمعات بعد ما تمت شخصيتهم وتكونت روحياتهم ونفسانياتهم وكم لذلك من شواهد تاريخية نتركها للباحث.
* * *