ثم إنّ سعادة الإنسان وشقاءه ليسا رهن الماهية العامة ، والاعتراف بها لا يمس بكرامة سعادته ، كما لا يجعله في عداد الأتقياء. بل الماهيات العامة تعبّد له طريق السعادة خصوصا الفطريات العالية الإنسانية التي كشف عنها العلم وهي :
١ ـ روح الاستقراء واكتشاف الحقائق.
٢ ـ حب الخير والنزوع إلى البر والمعروف.
٣ ـ علاقته بالجمال في مجالات الطبيعية والصناعة.
٤ ـ الشعور الديني الذي يتأجج لدى الشباب في سن البلوغ.
فهذه الميول النابعة من داخل الإنسان وفطرته هي ماهيته العامة وكلها تسوقه إلى الخير وتصده عن الشر ، لكن على وجه الاقتضاء فهناك إنسان يستخدم تلك المواهب في ظل الاختيار والإرادة ويكون عالما كاشفا عن السنن الكونية ، وإنسانا بارّا يفعل الخير لبني نوعه ، وموجودا فنّانا يصنع المصنوعات الدقيقة ، وإنسانا إلهيا ، يعتقد بأنّ وراء العالم عالما آخر وأنّ هناك خالقا للكون وله تجاه خالقه مسئوليات وتكاليف.
كما أنّ هناك إنسان يترك الاستفادة منها أو من بعضها فيسقط في المهاوي ويتجلّى على خلاف الإنسان المتقدم.
فالاعتراف بهذه الفطريات لا يجعل الإنسان جاهز الصنع ، كما عرفت ، فإن الذي يرتبط بهذه الفطريات إنما هي شخصيته العامة وأمّا شخصيته الخاصة فهي مصنوعة إرادته واختياره.
والعجب أنّ مبدع النظرية لم يقدر على إنكار ماهية عامة للإنسان في بعض المجالات ، فهو يعترف بأنّ الإنسان يتولد في إطار قيود خاصة منها أنّ وجوده متعلق بهذا العالم ، ويعيش حياة اجتماعية ، وأنّه موجود فان ، وغير ذلك من الحدود والقيود.
أقول : إنّ الحدود والقيود التي تحدّ شخصية الإنسان لا من قبل نفسه