الحقيقة فلاحظ النفس الإنسانية ، وقواها ، فالله سبحانه خلقها مثالا ، ذاتا وصفة وفعلا ، لذاته وصفاته وأفعاله ، قال سبحانه : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (١). وقد أثر عن النبي والوصي القول بأنّه «من عرف نفسه ، عرف ربّه» (٢).
إنّ فعل كل حاسة وقوة من حيث هو فعل تلك القوة ، فعل النفس أيضا. فالباصرة ليس لها شأن إلّا إحضار الصورة المبصرة ، أو انفعال البصر منها ، وكذلك السامعة ، فشأنها إحضار الهيئة المسموعة أو انفعالها بها ، ومع ذلك فكل من الفعلين ، كما هو فعل القوة ، فعل النفس أيضا ، لأنها السميعة البصيرة في الحقيقة وليس شأن النفس استخدام القوى بل هو فوق ذلك. لأنّا إذا راجعنا إلى وجداننا نجد أن نفوسنا بعينها الشاعرة في كل إدراك جزئي وشعور حسّي ، كما أنها المتحرك بكل حركة طبيعية أو حيوانية منسوبة إلى قواها. وبهذا يتضح أنّ النفس بنفسها في العين قوة باصرة وفي الأذن قوة سامعة وفي اليد قوة باطشة ، وفي الرجل قوّة ماشية ، وهكذا الأمر في سائر القوى التي في الأعضاء ، فبها تبصر العين وتسمع الأذن وتمشي الرجل. فالنفس مع وحدتها وتجردها عن البدن وقواه وأعضائه ، لا يخلو منها عضو من الأعضاء عاليا كان أو سافلا ، ولا تبائنها قوة من القوى ، مدركة كانت أو محركة ، حيوانية كانت أو طبيعية.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه كما ليس في الوجود شأن إلّا وهو شأنه ، كذلك ليس في الوجود فعل إلّا فعله ، لا بمعنى أنّ فعل زيد مثلا ليس صادرا عنه ، بل بمعنى أنّ فعل زيد مع أنّه فعله بالحقيقة دون المجاز فهو فعل الله بالحقيقة. فكما أنّ وجود زيد بعينه أمر متحقق في الواقع منسوب إلى زيد بالحقيقة لا بالمجاز ، وهو مع ذلك شأن من شئون الحق الأول ، فكذلك
__________________
(١) سورة الذاريات : الآيتان ٢٠ و ٢١.
(٢) غرر الحكم ، ص ٢٦٨ ، طبعة النجف. وروي عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) قوله :«أعلمكم بنفسه أعلمكم بربه». أمالي المرتضى ، ج ٢ ، ص ٣٢٩.