علمه وإرادته وحركته وسكونه وجميع ما يصدر عنه منسوب إليه بالحقيقة لا بالمجاز والكذب. فالإنسان فاعل لما يصدر عنه ومع ذلك ففعله أحد أفاعيل الحق الأول على الوجه اللائق بذاته سبحانه (١).
هذا ما أفاده صدر المتألهين من التمثيل عند تبيين حقيقة النظرية ، وفي بعض الأحاديث إشارة إليه ، روى الكليني في (الكافي) ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي جعفر الباقر : إنّ الله جلّ جلاله قال : «ما يقرب إليّ عبد من عبادي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه ، وإنّه ليتقرب إليّ بالنافلة ، حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته» (٢).
إلى هنا تم تبيين التمثيل المبيّن لحقيقة النظرية ، فسواء أكان المختار هو البيان الأول المشهور بين الإمامية ، أم كان ما ذكره صدر المتألّهين ، فالتحقيق هو أنّ الفعل فعل الله وهو فعلنا إمّا بحديث التسبيب والاستخدام أو لأجل أنّه لا يخلو شيء منه سبحانه ، قال سبحانه : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (٣). وقال سبحانه : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٤). والله سبحانه من وراء وجود فعل الإنسان ومعه وبعده كالنفس بالنسبة إلى قواها وأفعالها. وقال سبحانه : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٥).
ثم إنّ القول بأنّ فعل العبد فعل الله سبحانه لا يصحح نسبة كل ما يصدر عن العبد إلى الله سبحانه كأكله وشربه ونكاحه ، وقد ذكرنا ضابطة قيّمة لتمييز ما يصحّ نسبته إليه عمّا لا يصح مع كون السببية محفوظة في
__________________
(١) الأسفار ، ج ٦ ص ٣٧٧ إلى ٣٧٨ ، وص ٣٧٤.
(٢) وسائل الشيعة ، ج ٣. أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ، ب ١٧ ، ح ٦.
(٣) سورة الحديد : الآية ٤.
(٤) سورة ق : الآية ١٦.
(٥) سورة الروم : الآية ٢٧.