مما أطبقت على صحته الإمامية والمعتزلة وأيدته النصوص المروية عن أئمة أهل البيت (عليهمالسلام) وقد قال به بعض الأشاعرة أيضا كإمام الحرمين (أبي المعالي الجويني) وهو من أعلام القرن الخامس والشيخ (الشعراني) وهو من أقطاب الحديث والكلام في القرن العاشر ، والشيخ (محمد عبده) مفتي الديار المصرية في القرن الرابع عشر. ومن أراد الوقوف على كلماتهم فليرجع إلى مصادرها (١).
ثم إنّ هنا ضابطة لتمييز الأفعال التي تسند إلى الفاعل القريب عن الأفعال التي تسند إلى القريب والبعيد تفطّن إليها العلامة (الطباطبائي) في تفسيره فقال : «إن من الأفعال ما يكشف بمفهومه عن خصوصيات المباشرة كالأكل بمعنى الالتقام ، والبلع والشرب بمعنى المص والتجرع ، والقعود بمعنى الجلوس ، لم ينسب إلا إلى الفاعل المباشر ، فإذا أمر السيد خادمه أن يأكل غذاء كذا ويشرب شرابا كذا ، ويقعد على كرسي كذا ، قيل : «أكل الخادم وشرب وقعد ، ولا يقال أكله سيده وشربه وقعد عليه.
وأما الأعمال التي لا تعتبر فيها خصوصيات المباشرة والحركات المادية التي تقوم بالفاعل المباشر للحركة كالقتل والأسر والإحياء والإماتة والإعطاء والإحسان ونظائرها فإنها تنسب إلى الفاعل القريب والبعيد على السوية ، بل
__________________
ـ ينفذ نوره في الموجودات الإمكانية ، عامة. ولا يوجد ذرة من ذرات الأكوان الوجودية ، إلا ونوره محيط بها ، قاهر عليها وهو قائم على كل نفس بما كسبت وهو مع كل شيء لا بمقارنة وغير كل شيء لا بمزايلة. فإذا ، كما أنه ليس في الوجود شأن إلّا وهو شأنه كذلك ليس في الوجود فعل إلّا وهو فعله ، لا بمعنى أنّ فعل زيد ليس فعلا له بل بمعنى أنّ فعل زيد مع كونه فعله بالحقيقة دون المجاز فهو فعله سبحانه كذلك. فهو مع غاية عظمته وعلوه ، ينزل منازل الأشياء ويفعل فعلها ، كما أنّه مع غاية تجرّده وتقدسه لا يخلو منه أرض ولا سماء. فإذا نسبة الفعل والإيجاد إلى العبد صحيحه ، كما أنّ نسبتها إلى الله تعالى كذلك. وتفصيل ذلك يأتي عند البحث في الجبر والتفويض.
(١) الملل والنحل ، ج ١ ، ص ٩٨ ـ ٩٩ نقل كلمة إمام الحرمين ، واليواقيت والجواهر للشعراني ، ص ١٣٩ ـ ١٤١ ، ورسالة التوحيد ، ص ٥٩ ـ ٦٢. وقد جاء الاستاذ دام ظله بنص كلامهم في كتابه (أبحاث في الملل والنحل).