الأحناف ، ويقارن بين آراء أصحاب مدرسة الرأي ، وبين من يطبقون السنة ، ويتمسكون بالنص فيقول :
«كان التفتازاني من كبار علماء الشافعية ، ومع ذلك له آثار جليلة في أصول الحنفية ، وكان من محاسن الزمان ، لم تر العيون مثله في الأعلام والأعيان ، وهو الأستاذ على الإطلاق ، والمشار إليه بلا شقاق ، والمشهور في ظهور الآفاق ، المذكور في بطون الأوراق ، اشتهرت تصانيفه في الأرض ، وأتت بالطول والعرض حتى إن السيد الشريف ، في مبادي التأليف ، وأثناء التصنيف ، كان يخوض في بحار تحقيقه ، وتحريره ، ويلتقط الدرر من تدقيقه وتسطيره ، ويعترف برفعة شأنه ، وجلالة قدره ، وعلو مقامه» (١).
وإذا كان هؤلاء الأعلام ، وهم من كبار المؤرخين ، يصفونه بهذه الصفات ، ويمدحونه بكل صفة حميدة ، ورأي سديد ، فهناك عملاق من عمالقة المحدثين ، ألا وهو العالم الجليل ابن حجر العسقلاني صاحب التآليف الكثيرة ، والمصنفات البديعة. يصف الإمام التفتازاني في كتابه (الدرر الكامنة) (٢) فيقول :
«كان من أعاظم علماء العربية ، وأفاضل محققيهم المتبحرين ، ومصنفاته الجمة تدل على عظم (عقله) ، وجودة فهمه ، ووفور علمه ، ومتانة رأيه ، واستقامة سليقته ، وكثرة إحاطته ، وحسن تصرفه ، وتمامية فضله ، وكونه علامة من العلماء ، ومحققا من فنون شتى مع أن الجامعية والتحقيق قلما يجتمعان في رجل واحد».
لقد رأى ابن حجر في التفتازاني رجلا يختلف عن كثير من الرجال في سلامة عقله ، وإصابة رأية ، فهو لا يكتب في علم من العلوم ، ولا يقتصر على فن من الفنون ، ولكنه يتناول العلوم الشرعية ، واللغوية ، ويتبحر في كل فرع من فروعها ، وفي كل فن من الفنون.
__________________
(١) راجع كتاب أعلام الأخبار الورقة ٤٣٥.
(٢) راجع الدرر الكامنة ج ٥ ص ١١٩.