تصورها بصورة إجمالية تساويها صونا للطلب والنظر عن إخلال بما هو منها ، واشتغال (١) بما ليس منها ، وذلك هو المعنى بتعريف العلم ، فكان من مقدماته وإنما كثر تركه سيما في العلوم الشرعية والأدبية لما شاع من تدوين العلوم بمسائلها ودلائلها (٢) ، وتفسير ما يتعلق بها من التصورات ثم تحصيلها كذلك بطريق التعلم من العلم ، أو التفهم من الكتاب وإذا تقرر هذا فنقول : الأحكام المنسوبة إلى الشرع منها ما يتعلق بالعمل وتسمى فرعية وعملية ومنها ما يتعلق بالاعتقاد ، وتسمى أصلية واعتقادية ، وكانت الأوائل من العلماء ببركة صحبة النبيصلىاللهعليهوسلم وقرب العهد بزمانه وسماع الأخبار منه ، ومشاهدة الآثار مع قلة الوقائع والاختلافات ، وسهولة المراجعة إلى الثقات مستغنين عن تدوين الأحكام (٣) ، وترتيبها أبوابا وفصولا ، وتكثير المسائل فروعا وأصولا إلى أن ظهر اختلاف الآراء ، والميل إلى البدع والأهواء ؛ وكثرت الفتاوى والواقعات ، وأمست الحاجة فيها إلى زيادة نظر والتفات ، فأخذ أرباب النظر والاستدلال في استنباط الأحكام وبذلوا جهدهم في تحقيق عقائد الإسلام ، وأقبلوا على تمهيد أصولها وقوانينها ، وتلخيص حججها وبراهينها ، وتدوين المسائل بأدلتها ، والشبه بأجوبتها ، وسموا العلم باسم الفقه ، وخصوا الاعتقاديات (٤) باسم الفقه الأكبر ، والأكثرون خصوا العمليات باسم الفقه ، والاعتقاديات (٥) بعلم التوحيد. والصفات تسمية بأشهر أجزائه وأشرفها وبعلم الكلام ، لأن مباحثه كانت مصدرة بقولهم : الكلام في كذا وكذا (٦) ولأن أشهر الاختلافات فيه كانت مسألة كلام الله تعالى أنه قديم أو حادث ، ولأنه يورث قدرة على الكلام في تحقيق الشرعيات كالمنطق في الفلسفيات ، ولأنه كثر فيه من الكلام مع المخالفين والرد عليهم ، (٧) ما لم يكثر في غيره. ولأنه لقوة أدلته صار كأنه هو الكلام
__________________
(١) في (ب) أو اشتغال.
(٢) سمي الكلام كلاما لأنهم كانوا يصدرون مباحثه بقولهم : الكلام في كذا أو لأن صفة الكلام فيه أشهر ما وقع الاختلاف فيه أو لأنه يورث القدرة على الكلام في سائر الشرعيات وكان يسمى أولا : الفقه الأكبر حين دونوه.
(٣) في (ب) تدوين المسائل.
(٤) في (ب) الاعتقادات.
(٥) في (ب) الاعتقادات.
(٦) في (ب) في كذا وكذا بسقوط (لأن).
(٧) في (ب) بما لم يكتر.