على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه (١) ، ومعنى إثبات العقائد تحصيلها واكتسابها بحيث يحصل الترقي من التقليد إلى التحقيق ، أو إثباتها على الغير بحيث يتمكن من إلزام المعاندين ، أو إتقانها وإحكامها ، بحيث لا تزلزلها شبه المبطلين ، وعدل عن يقتدر به إلى يقتدر معه مبالغة في نفي الأسباب ، واستناد الكل إلى خلق الله تعالى ابتداء على ما هو المذهب ، وأورد على طرد تعريفه جميع العلوم الحاصلة عند الاقتدار من النحو والمنطق (٢) وغيرهما وعلى عكسه علم الكلام بعد إثبات العقائد لانتفاء الاقتدار حينئذ والجواب أن المراد هو (٣) علم يحصل معه الاقتدار البتة بطريق جري العادة ، أي يلزمه حصول الاقتدار لزوما عاديا ، وإن لم يبق ذلك (٤) الاقتدار دائما ، ولا خفاء في أن الكلام كذلك بخلاف سائر العلوم ، وأما مجموع العلوم التي من جملتها الكلام فهو وإن كان كذلك فليس (٥) بعلم واحد بل بعلوم جمة ، وقد يجاب بأن المراد ماله مدخل في الاقتدار أو ما يلزم معه الاقتدار ولو على بعض التقادير والكلام بعد الإثبات بهذه الحيثية بخلاف سائر العلوم ، ويعترض بأن للمنطق مدخلا في الاقتدار وإن لم يستقل به ، والاقتدار لازم (٦) مع كل علم على تقدير مقارنته للكلام. نعم لو أريد ما يلزم معه الاقتدار في الجملة بحيث يكون له مدخل في ذلك خرج غير المنطق ، وفيما ذكرنا غنية عن هذا ، مع أن في إثبات المدخل إشعارا بالسببية ولو قال يقتدر به وأراد الاستعقاب العادي ، كما في إثبات العقائد بإيراد الحجج على ما هو المذهب في حصول النتيجة عقيب النظر لم يحتج إلى شيء من ذلك.
__________________
(١) راجع كتاب المواقف ج ١ ص ٣٣ : ٣٤.
(٢) المنطق عند أرسطو : آلة للعلم وموضوعه هو العلم نفسه ، أو هو صورة العلم ، وعند ابن سينا ، المنطق : هو الصناعة النظرية التي تعرفنا من أي الصور والمواد يكون الحد الصحيح الذي يسمى بالحقيقة حدا ، والقياس الصحيح الذي يسمى برهانا. أما عند الغزالي : فهو القانون الذي يميز صحيح الحد والقياس عن غيره ، فيتميز العلم اليقيني عما ليس يقينيا ، وكأنه الميزان أو المعيار للعلوم كلها. ويعرفه الساوي صاحب البصائر النصيرية : بأنه قانون صناعي عاصم للذهن من الزلل ، مميز لصواب الرأي عن الخطأ في العقائد بحيث تتوافق العقول السليمة على صحته.
(٣) سقط من (ب) كلمة (هو).
(٤) من (أ) كلمة (ذلل).
(٥) سقط من (أ) كلمة (فليس).
(٦) سقط من (أ) كلمة (مع).