جعله علما بالمحسوسات لم يذكر هذا القيد وخرج سائر الإدراكات ، لأن احتمال النقيض في الظن والشك والوهم ظاهر ، وفي الجهل المركب (١) أظهر ، وكذا اعتقاد المقلد لأنه يزول بتشكيك المشكك بل ربما يتعلق بالنقيض جزما ، وقد يقال إن الجهل المركب ليس بتمييز ، وكذا التصور الغير المطابق كما إذا ارتسم في النفس من الفرس صورة حيوان ناطق ، وأما المطابق فداخل لأنه لا نقيض له بناء على أن في أخذ النقيض شائبة في الحكم والتركيب ، ولا يخفى ما فيه ومنهم من قيد المعاني بالكلية ميلا إلى تخصيص العلم بالكليات والمعرفة بالجزئيات (فلا يرد ما ذكر في المواقف أن هذه الزيادة مع الغنى عنها محل نظر) (٢) بطرد التعريف ، أي جريانه في جميع أفراد المعرف على ما ذكر ابن الحاجب (٣) أن اسم الفاعل يورد على طرد تعريف الاسم ، والفعل المضارع على عكسه قالوا : هذا مصطلح النحاة. ثم الظاهر من قولنا تمييزا لا يحتمل النقيض أن يراد نقيض التمييز ولما لم يكن له كثير معنى ، ذهب بعضهم إلى أن المراد أنه صفة. توجب التمييز إيجابا لا يتحمل النقيض ، وليس بشيء والحق اعتبار ذلك في متعلق التمييز على ما قالوا إن اعتقاد (٤) الشيء مع أنه لا يكون إلا كذا ، علم ، واحتمال ألا يكون كذا احتمالا مرجوحا ظن ، فالمعنى أنه صفة توجب للنفس
__________________
(١) الجهل : يطلق الجهل عند المتكلمين على معنيين : الأول : هو الجهل البسيط ، وهو عدا العلم عما من شأنه أن يكون عالما. فلا يكون ضدا للعلم ، بل مقابلا له تقابل العدم والملكة. ويقرب منه السهو والغفلة والذهول ، الجهل البسيط ، بعد العلم يسمى ، نسيانا.
الثاني : هو الجهل المركب ، وهو اعتقاد جازم غير مطابق للواقع وإنما سمي مركبا لأنه يعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه. فهذا جهل أول يعتقد أنه يعتقده على ما هو عليه وهذا جهل آخر قد تركبا معا ، وهو ضد العلم.
(راجع كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي الجزء الأول ص ٢٧٨ : ٢٧٩).
(٢) ما بين القوسين سقط من (ب).
(٣) ابن الحاجب : عثمان بن عمر بن أبي بكر فقيه مالكي من كبار العلماء بالعربية كردي الأصل ولد في إسنا من (صعيد مصر) ونشأ في القاهرة ، وسكن دمشق ، ومات بالإسكندرية. وكان أبوه حاجبا فعرف به. من تصانيفه : الكافية في النحو والشافية في الصرف ، وجامع الأمهات في فقه المالكية. توفي سنة ٦٤٦ ه رحمهالله.
(راجع وفيات الأعيان ١ : ٣١٤).
(٤) سقط من (أ) حرف (ان).