تمييز المعنى عندها بحيث لا يحتمل النقيض في متعلقه ، ويدل على ذلك تقرير اعتراضهم بالعلوم العادية مثل العلم بكون الجبل حجرا فإنه يحتمل النقيض (١) بأن لا يكون حجرا بل قد ينقلب ذهبا بأن يخلق الله تعالى مكان الحجر الذهب على ما هو رأي المحققين أو بأن يسلب عن أجزاء الحجر الوصف الذي به صارت حجرا ، ويخلق فيه الوصف الذي به يصير ذهبا على ما هو رأي بعض المتكلمين من تجانس الجواهر في جميع الأجسام. والجواب :
أن المراد بعدم احتمال النقيض في العلم هو عدم تجويز العالم إياه لا حقيقة وحكما ، أما في التصور فلعدم النقيض أو لأنه لا معنى لاحتمال النقيض بدون شائبة الحكم ، وأما في التصديق فلاستناد جزمه بالحكم إلى موجب بحيث لا يحتمل الزوال أصلا. والعاديات كذلك لأن الجزم بها مستند إلى موجب هو العادة.
وإنما يحتمل النقيض بمعنى أنه لو فرض وقوعه لم يلزم منه محال لذاته لكونه في نفسه من الممكنات التي يجوز وقوعها (٢) أو لا وقوعها ، وذلك كما يحكم ببياض الجسم الشاهد قطعا مع أنه في نفسه ممكن أن يكون وأن لا يكون. والحاصل أن معنى احتمال النقيض تجويز الحاكم إياه حقيقة وحالا كما في الظن ، لعدم الجزم بمتعلقه أو حكما ، ومآلا ، كما في اعتقاد المقلد لعدم استناد الجزم به إلى موجب من حس أو عقل أو عادة فيجوز أن يزول بل يحصل اعتقاد النقيض جزما. وبهذا يظهر الجواب عن نقض تفسير العلم باعتقاد المقلد سيما فإنه لا يحتمل النقيض في الواقع (٣) ولا عند الحاكم. وهو ظاهر ولا عبرة بالإمكان العقلي كما في العاديات.
__________________
(١) النقيض في اللغة : هو الكسر. وفي الاصطلاح ، هو بيان تخلف الحكم المدعي ثبوته أو نفيه عن دليل المعلل ، الدال عليه في بعض من الصور ، فإن وقع يمنع شيء من مقدمات الدليل على الإجمال ، سمي نقضا إجماليا ، لأن حاصله يرجع إلى منع شيء من مقدمات الدليل على الإجمال ، وإن وقع بالمنع المجرد أو مع السند ، سمي نقضا تفصيليا لأنه مع مقدمة معينة. وجملة القول : إن النقض هو البرهان على بطلان الدعوى ، وهو أقوى من الاعتراض لأن الاعتراض هو إقامة الدليل على خلاف ما أقامه عليه الخصم ، أو إظهار ما في مقدمات دليل الخصم من خلل ، يمنع من قبول دعواه على حين أن النقض. دحض نهائي للدعوى.
(٢) في (ب) وقوعها ولا وقوعها.
(٣) سقط من (ب) كلة (النقص).