باختصاصه بل على الاختصاص نفسه ، فإن الذهن ينتقل من تصور الملزوم إلى تصور لازمه الذهني ، وإن لم يتقدم العلم باللزوم ، ولو سلم فيكفي في ذلك تصور الشيء بوجه ، وتصور ما عداه إجمالا ، كما في اختصاص الجسم بهذا الحيز ، وإن كان مبنيا على امتناع كونه في حيزين ، واشتغال حيز بمتحيزين ، وإلى هذا التسليم نظر من قال : الوصف الصالح لتعريف الشيء يجب أن يكون لازما بين الثبوت لافراده ، وبين الانتفاء عن جميع ما عداه ، وينبغي أن يعلم أنه وإن كان لازما بحسب الصدق لكن لا بدّ (١) أن يكون ملزوما بحسب التصور ، وأجاب بعض المحققين عن الأول بمنع كون جميع أجزاء الماهية نفسها ، بل جزم بأنه (٢) باطل تمسكا بأن الأشياء التي كل واحد منها متقدم على الشيء يمتنع أن يكون نفس المتأخر.
ثم قال : ويجوز أن يصير عند الاجتماع ماهيته هي المتأخرة ، فتحصل معرفتها بها ، كما أن العلم بالجنس (٣) والفصل (٤) وبالتركيب التقيدي متقدم على العلم بالجنس المقيد بالفصل ، وهي أجزاؤه ، وبها يحصل العلم به ، ورد المنع تارة بدعوى الضرورة ، وتارة بالاستدلال ، بأن جميع أجزاء الشيء إن لم تكن نفسه فإما تكون خارجة عنه وهو ظاهر البطلان أو داخلة فيه فتركب الشيء منها ومن غيرها ، فلا تكون هي جميع الأجزاء بل بعضها ، وأيضا لو كان الشيء
__________________
(١) سقط من (ب) حرف (لكن).
(٢) في (ب) بزيادة (غيرها).
(٣) الجنس في اللغة : الضرب من كل شيء وهو أعم من النوع : يقال : الحيوان جنس والإنسان نوع. قال ابن سينا : الجنس هو المقول على كثيرين مختلفين بالأنواع أي بالصور ، والحقائق الذاتية ، وهذا يخرج النوع والخاصة والفصل والقريب.
(٤) الفصل : للفصل عند المنطقيين معنيان ، أحدهما : ما يتميز به شيء عن شيء ذاتيا كان أو عرضيا لازما أو مفارقا ، شخصيا أو كليا ، وثانيهما : ما يتميز به الشيء في ذاته ، وهو الجزء الداخل في الماهية كالناطق مثلا فهو داخل في ماهية الإنسان ، ومقوم لها ويسمى بالفصل المقوم. وهذا المعنى الثاني هو الذي أشار إليه ابن سينا في قوله : «وأما الفصل فهو الكلي الذاتي الذي يقال على نوع تحت جنس في جواب أي شيء هو منه ، كالناطق للإنسان فإنه يجاب حين يسأل أي حيوان هو ..؟».